(لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (١٨١) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ) (١٨٢)
____________________________________
لتربية المهابة والالتفات للمبالغة فى الوعيد والإشعار باشتداد غضب الرحمن الناشىء من ذكر قبائحهم وقرىء بالياء على الظاهر (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) قالته اليهود لما سمعوا قوله تعالى (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) وروى أنه عليهالسلام كتب مع أبى بكر رضى الله عنه إلى يهود بنى قينقاع يدعوهم إلى الإسلام وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن يقرضوا الله قرضا حسنا فقال فنحاص إن الله فقير حتى سألنا القرض فلطمه أبو بكر رضى الله عنه فى وجهه وقال لو لا الذى بيننا وبينكم من العهد لضربت عنقك فشكاه إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وجحد ما قاله فنزلت والجمع حينئذ مع كون القائل واحدا لرضا الباقين بذلك والمعنى أنه لم يخف عليه تعالى وأعد له من العذاب كفأه والتعبير عنه بالسماع للإيذان بأنه من الشناعة والسماجة بحيث لا يرضى قائله بأن يسمعه سامع والتوكيد القسمى للتشديد فى التهديد والمبالغة فى الوعيد (سَنَكْتُبُ ما قالُوا) أى سنكتب ما قالوه من العظيمة الشنعاء فى صحائف الحفظة أو سنحفظه ونثبته فى علمنا لا ننساه ولا نهمله كما يثبت المكتوب والسين للتأكيد أى لن يفوتنا أبدا تدوينه وإثباته لكونه فى غاية العظم والهول كيف لا وهو كفر بالله تعالى واستهزاء بالقرآن العظيم والرسول الكريم ولذلك عطف عليه قوله تعالى (وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ) إيذانا بأنهما فى العظم أخوان وتنبيها على أنه ليس بأول جريمة ارتكبوها بل لهم فيه سوابق وأن من اجترأ على قتل الأنبياء لم يستبعد منه أمثال هذه العظائم والمراد بقتلهم الأنبياء رضاهم بفعل أسلافهم وقوله تعالى (بِغَيْرِ حَقٍّ) متعلق بمحذوف وقع حالا من قتلهم أى كائنا بغير حق فى اعتقادهم أيضا كما هو فى نفس الأمر وقرىء سيكتب على البناء للفاعل وسيكتب على البناء للمفعول وقتلهم بالرفع (وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) أى وننتقم منهم بعد الكتبة بأن نقول لهم ذوقوا العذاب المحرق كما أذقتم المسلمين الغصص وفيه من المبالغات ما لا يخفى وقرىء ويقول بالياء ويقال على البناء للمفعول (ذلِكَ) إشارة إلى العذاب المذكور وما فيه من معنى البعد للدلالة على عظم شأنه وبعد منزلته فى الهول والفظاعة وهو مبتدأ خبره قوله تعالى (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) أى بسبب ما اقترفتموه من قتل الأنبياء والتفوه بمثل تلك العظيمة وغيرها من المعاصى والتعبير عن الأنفس بالأيدى لما أن عامة أفاعيلها تزاول بهن ومحل أن فى قوله تعالى (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف والجملة اعتراض تذييلى مقرر لمضمون ما قبلها أى والأمر أنه تعالى ليس بمعذب لعبيده بغير ذنب من قبلهم والتعبير عن ذلك بنفى الظلم مع أن تعذيبهم بغير ذنب ليس بظلم على ما تقرر من قاعدة أهل السنة فضلا عن كونه ظلما بالغا لبيان كمال نزاهته تعالى عن ذلك بتصويره بصورة ما يستحيل صدوره عنه سبحانه من الظلم كما يعبر عن ترك الإثابة على الأعمال بإضاعتها مع أن الأعمال غير موجبة للثواب حتى يلزم من تخلفه عنها ضياغها وصيغة