(الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٨٣) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ) (١٨٤)
____________________________________
المبالغة لتأكيد هذا المعنى بإبراز ما ذكر من التعذيب بغير ذنب فى صورة المبالغة فى الظلم وقيل هى لرعاية جمعية العبيد من قولهم فلان ظالم لعبده وظلام لعبيده على أنها للمبالغة كما لا كيفا هذا وقد قيل محل أن الجر بالعطف على ما قدمت وسببيته للعذاب من حيث أن نفى الظلم مستلزم للعدل المقتضى لإثابة المحسن ومعاقبة المسىء وفساده ظاهر فإن ترك التعذيب من مستحقه ليس بظلم شرعا ولا عقلا حتى ينتهض نفى الظلم سببا للتعذيب حسبما ذكره القائل فى سورة الأنفال وقيل سببية ذنوبهم لعذابهم مقيدة بانضمام انتفاء ظلمه تعالى إليها إذ لولاه لأمكن أن يعذبهم بغير ذنوبهم وأنت خبير بأن إمكان تعذيبه تعالى لعبيده بغير ذنب بل وقوعه لا ينافى كون تعذيب هؤلاء الكفرة بسبب ذنوبهم حتى يحتاج إلى اعتبار عدمه معه وإنما يحتاج إلى ذلك أن لو كان المدعى أن جميع تعذيباته تعالى بسبب ذنوب المعذبين (الَّذِينَ قالُوا) نصب أو رفع على الذم وهم كعب بن الأشرف ومالك بن صيفى وحيى بن أخطب وفنحاص بن عازوراء ووهب بن يهوذا (إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا) أى أمرنا فى التوراة وأوصانا (أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ) كما كان عليه أمر أنبياء بنى إسرائيل حيث كان يقرب بالقربان فيقوم النبى فيدعو فتنزل نار من السماء فتأكله أى تحيله إلى طبعها بالإحراق وهذا من مفترياتهم وأباطيلهم فإن أكل النار القربان لم يوجب الإيمان إلا لكونه معجزة فهو وسائر المعجزات سواء ولما كان محصل كلامهم الباطل أن عدم إيمانهم برسول الله صلىاللهعليهوسلم لعدم إتيانه بما قالوا ولو تحقق الإتيان به لتحقق الإيمان رد عليهم بقوله تعالى (قُلْ) أى تبكيتا لهم وإظهارا لكذبهم (قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ) كثيرة العدد كبيرة المقدار (مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ) أى المعجزات الواضحة (وَبِالَّذِي قُلْتُمْ) بعينه من القربان الذى تأكله النار (فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فيما يدل عليه كلامكم من أنكم تؤمنون لرسول يأتيكم بما اقترحتموه فإن زكريا ويحيى وغيرهما من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قد جاءوكم بما قلتم مع معجزات أخر فما لكم لم تؤمنوا لهم حتى اجترأتم على قتلهم (فَإِنْ كَذَّبُوكَ) شروع فى تسلية رسول الله صلىاللهعليهوسلم إثر ما أوحى إليه ما يحزنه عليه الصلاة والسلام من مقالات الكفرة من المشركين واليهود وقوله تعالى (فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) تعليل لجواب الشرط أى فتسل فقد كذب الخ ومن متعلقة بكذب أو بمحذوف صفة لرسل أى كائنة من قبلك (جاؤُ بِالْبَيِّناتِ) أى المعجزات الواضحات صفة لرسل (وَالزُّبُرِ) هو جمع زبور وهو الكتاب المقصور على الحكم من زبرته إذا حسنته وقيل زبر المواعظ والزواجر من زبرته إذا زجرته (وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ) قيل أى التوراة والإنجيل والزبور والكتاب فى عرف القرآن ما يتضمن الشرائع والأحكام ولذلك جاء الكتاب والحكمة متعاطفين فى عامة المواقع وقرىء وبالزبر بإعادة الجار دلالة على أنها مغايرة بالذات