أو حرف جر كما سبق فى تفسير قوله تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) وأيا ما كان فمعنى كون التوبة عليه سبحانه صدور القبول عنه تعالى وكلمة على للدلالة على التحقق البتة بحكم جرى العادة وسبق الوعد حتى كأنه من الواجبات عليه سبحانه وهذا مراد من قال كلمة على بمعنى من وقيل هى بمعنى عند وعن الحسن يعنى التوبة التى يقبلها الله تعالى وقيل هى التوبة التى أوجب الله تعالى على نفسه بفضله قبولها وهذا يشير إلى أن قوله تعالى (عَلَى اللهِ) صفة للتوبة بتقدير متعلقه معرفة على رأى من جوز حذف الموصول مع بعض صلته أى إنما التوبة الكائنة على الله والمراد بالسوء المعصية صغيرة كانت أو كبيرة وقيل الخبر (عَلَى اللهِ) وقوله تعالى (لِلَّذِينَ) متعلق بما تعلق به الخبر أو بمحذوف وقع حالا من الضمير المستكن فى متعلق الخبر وليس فيه ما فى الوجه الأول من تقديم الحال على العامل المعنوى إلا أن الذى يقتضيه المقام ويستدعيه النظام هو الأول لما أن ما قبله من وصفه تعالى بكونه توابا رحيما إنما يقتضى بيان اختصاص قبول التوبة منه تعالى بالمذكورين وذلك إنما يكون بجعل قوله تعالى (لِلَّذِينَ) الخ خبرا ألا يرى إلى قوله عزوجل (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) الخ فإنه ناطق بما قلنا كأنه قيل إنما التوبة لهؤلاء لا لهؤلاء (بِجَهالَةٍ) متعلق بمحذوف وقع حالا من فاعل يعملون أى يعملون السوء ملتبسين بها أى جاهلين سفهاء أو بيعملون على أن الباء سببية أى يعملونه بسبب الجهالة لأن ارتكاب الذنب مما يدعو إليه الجهل وليس المراد به عدم العلم بكونه سوءا بل عدم التفكر فى العاقبة كما يفعله الجاهل قال قتادة اجتمع أصحاب الرسول صلىاللهعليهوسلم فرأوا أن كل شىء عصى به ربه فهو جهالة عمدا كان أو خطأ وعن مجاهد من عصى الله تعالى فهو جاهل حتى ينزع عن جهالته وقال الزجاج يعنى بقوله بجهالة اختيارهم اللذة الفانية على اللذة الباقية (ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ) أى من زمان قريب وهو ما قبل حضور الموت كما ينبئ عنه ما سيأتى من قوله تعالى (حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) الخ فإنه صريح فى أن وقت الاحتضار هو الوقت الذى لا تقبل فيه التوبة فبقى ما وراءه فى حيز القبول وعن ابن عباس رضى الله عنهما قبل أن ينزل به سلطان الموت وعن الضحاك كل توبة قبل الموت فهو قريب وعن إبراهيم النخعى ما لم يؤخذ بكظمه وهو مجرى النفس وروى أبو أيوب عن النبى صلىاللهعليهوسلم إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر وعن عطاء ولو قبل موته بفواق ناقة وعن الحسن أن إبليس قال حين أهبط إلى الأرض وعزتك لا أفارق ابن آدم مادام روحه فى جسده فقال تعالى وعزتى لا أغلق عليه باب التوبة ما لم يغرغر ومن تبعيضية أى يتوبون بعض زمان قريب كأنه سمى ما بين وجود المعصية وبين حضور الموت زمانا قريبا ففى أى جزء تاب من أجزاء هذا الزمان فهو تائب (فَأُولئِكَ) إشارة إلى المذكورين من حيث اتصافهم بما ذكر وما فيه من معنى البعد باعتبار كونهم بانقضاء ذكرهم فى حكم البعيد والخطاب للرسول صلىاللهعليهوسلم أو لكل أحد ممن يصلح للخطاب وهو مبتدأ خبره قوله تعالى (يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ) وما فيه من تكرير الإسناد لتقوية الحكم وهذا وعد بقبول توبتهم إثر بيان أن التوبة لهم والفاء للدلالة على سبييتها للقبول (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) مبالغا فى العلم والحكمة فيبنى أحكامه وأفعاله على أساس الحكمة والمصلحة والجملة اعتراضية مقررة لمضمون ما قبلها وإظهار الاسم الجليل فى موضع الإضمار للإشعار بعلة الحكم فإن الألوهية منشأ لاتصافه تعالى بصفات الكمال