(يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٢٦)
____________________________________
صلاح حاله ولا ضرر أعظم من مواقعة المآثم بارتكاب أفحش القبائح وقيل أريد به الحد لأنه إذا هويها يخشى أن يواقعها فيحد والأول هو اللائق بحال المؤمن دون الثانى لإيهامه أن المحذور عنده الحد لا ما يوجبه (وَأَنْ تَصْبِرُوا) أى عن نكاحهن متعففين كافين انفسكم عما تشتهيه من المعاصى (خَيْرٌ لَكُمْ) من نكاحهن وإن سبقت كلمة الرخصة فيه لما فيه من تعريض الولد للرق قال عمر رضى الله عنه أيما حر تزوج بأمة فقد أرق نصفه وقال سعيد بن جبير ما نكاح الأمة من الزنا إلا قريب ولأن حق المولى فيها أقوى فلا تخلص للزوج خلوص الحرائر ولأن المولى يقدر على استخدامها كيفما يريد فى السفر والحضر وعلى بيعها للحاضر والبادى وفيه من اختلال حال الزوج وأولاده ما لا مزيد عليه ولأنها ممتهنة مبتذلة خراجة ولاجة وذلك كله ذل ومهانة سارية إلى الناكح والعزة هى اللائقة بالمؤمنين ولأن مهرها لمولاها فلا تقدر على التمتع به ولا على هبته للزوج فلا ينتظم أمر المنزل وقد قال صلىاللهعليهوسلم الحرائر صلاح البيت والإماء هلاك البيت (وَاللهُ غَفُورٌ) مبالغ فى المغفرة فيغفر لمن لم يصبر عن نكاحهن ما فى ذلك من الأمور المنافية لحال المؤمنين (رَحِيمٌ) مبالغ فى الرحمة ولذلك رخص لكم فى نكاحهن (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) استئناف مسوق لتقرير ما سبق من الأحكام وبيان كونها جارية على مناهج المهتدين من الأنبياء والصالحين قيل أصل النظم الكريم يريد الله أن يبين لكم فزيدت اللام لتأكيد معنى الاستقبال اللازم للإرادة ومفعول يبين محذوف ثقة بشهادة السباق والسياق أى يريد الله أن يبين لكم ما هو خفى عنكم من مصالحكم وأفاضل أعمالكم أو ما تعبدكم به من الحلال والحرام وقيل مفعول يريد محذوف تقديره يريد الله تشريع ما شرع من التحريم والتحليل لأجل التبيين لكم وهذا مذهب البصريين ويعزى إلى سيبويه وقيل إن اللام بنفسها ناصبة للفعل من غير إضمار أن وهى وما بعدها مفعول للفعل المتقدم فإن اللام قد تقام مقام أن فى فعل الإرادة والأمر فيقال أردت لأذهب وأن أذهب وأمرتك لتقوم وأن تقوم قال تعالى (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ) وفى موضع (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا) وقال تعالى (وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ) وفى موضع (وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ) وفى آخر (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) أى أن أعدل بينكم وهذا مذهب الكوفيين ومنعه البصريون وقالوا إن وظيفة اللام هى الجر والنصب فيما قالوا بإضمار أن أى أمرنا بما أمرنا لنسلم ويريدون ما يريدن ليطفئوا وقيل يؤول الفعل الذى قبل اللام بمصدر مرفوع بالابتداء ويجعل ما بعده خبرا له كما فى تسمع بالمعيدى خير من أن تراه أى أن تسمع به ويعزى هذا الرأى إلى بعض البصريين (وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) من الأنبياء والصالحين لتقتدوا بهم (وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ) إذا تبتم إليه تعالى عما يقع منكم من التقصير والتفريط فى مراعاة ما كلفتموه من الشرائع فإن المكلف قلما يخلو من تقصير يستدعى تلافيه بالتوبة ويغفر لكم ذنوبكم أو يرشدكم إلى ما يردعكم عن المعاصى ويحثكم على التوبة أو إلى ما يكون كفارة لسيئاتكم وليس الخطاب لجميع المكلفين حتى يتخلف مراده تعالى عن إرادته فيمن لم يتب منهم بل لطائفة معينة حصلت لهم هذه التوبة (وَاللهُ عَلِيمٌ) مبالغ فى العلم بالأشياء التى من جملتها