(وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (٢٧) يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (٢٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) (٢٩)
____________________________________
ما شرع لكم من الأحكام (حَكِيمٌ) مراع فى جميع أفعاله الحكمة والمصلحة (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) جملة مبتدأة مسوقة لبيان كمال منفعة ما أراده الله تعالى وكمال مضرة ما يريد الفجرة لا لبيان إرادته تعالى لتوبته عليهم حتى يكون من باب التكرير للتقرير ولذلك غير الأسلوب إلى الجملة الاسمية دلالة على دوام الإرادة ولم يفعل ذلك فى قوله تعالى (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ) للإشارة إلى الحدوث وللإيماء إلى كمال المباينة بين مضمونى الجملتين كما مر فى قوله تعالى : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) الآية والمراد بمتبعى الشهوات الفجرة فإن اتباعها الائتمار بها وأما المتعاطى لما سوغه الشرع من المشتهيات دون غيره فهو متبع له لا لها وقيل هم اليهود والنصارى وقيل هم المجوس حيث كانوا يحلون الأخوات من الأب وبنات الأخ وبنات الأخت فلما حرمهن الله تعالى قالوا فإنكم تحلون بنت الخالة وبنت العمة مع أن العمة والخالة عليكم حرام فانكحوا بنات الأخ والأخت فنزلت (أَنْ تَمِيلُوا) عن الحق بموافقتهم على اتباع الشهوات واستحلال المحرمات وتكونوا زناة مثلهم وقرىء بالياء التحتانية والضمير للذين يتبعون الشهوات (مَيْلاً عَظِيماً) أى بالنسبة إلى ميل من اقترف خطيئة على ندرة بلا استحلال (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ) بما مر من الرخص ما فى عهدتكم من مشاق التكاليف والجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) عاجزا عن مخالفة هواه غير قادر على مقابلة دواعيه وقواه حيث لا يصبر عن اتباع الشهوات ولا يستخدم قواه فى مشاق الطاعات وعن الحسن أن المراد ضعف الخلقة ولا يساعده المقام فإن الجملة اعتراض تذييلى مسوق لتقرير ما قبله من التخفيف بالرخصة فى نكاح الإماء وليس لضعف البنية مدخل فى ذلك وإنما الذى يتعلق به التخفيف فى العبادات الشاقة وقيل المراد به ضعفه فى أمر النساء خاصة حيث لا يصبر عنهن وعن سعيد بن المسيب ما أيس الشيطان من بنى آدم قط إلا أتاهم من قبل النساء فقد أتى على ثمانون سنة وذهبت إحدى عينى وأنا أعشوا بالأخرى وإن أخوف ما أخاف على فتنة النساء وقرأ ابن عباس رضى الله عنهما وخلق الإنسان على البناء للفاعل والضمير لله عزوجل وعنه رضى الله عنه ثمانى آيات فى سورة النساء هن خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ* إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ