(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) (٣٠)
____________________________________
بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) شروع فى بيان بعض الحرمات المتعلقة بالأموال والأنفس إثر بيان الحرمات المتعلقة بالأبضاع وتصدير الخطاب بالنداء والتنبيه لإظهار كمال العناية بمضمونه والمراد بالباطل ما يخالف الشرع كالغصب والسرقة والخيانة والقمار وعقود الربا وغير ذلك مما لم يبحه الشرع أى لا يأكل بعضكم أموال بعض بغير طريق شرعى (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) استثناء منقطع وعن متعلقة بمحذوف وقع صفة لتجارة أى إلا أن تكون التجارة تجارة صادرة عن تراض كما فى قوله [إذا كان يوما ذا كواكب أشنعا] أى إذا كان اليوم يوما الخ أو إلا أن تكون الأموال أموال تجارة وقرىء تجارة بالرفع على أن كان تامة أى ولكن اقصدوا كون تجارة عن تراض أى وقوعها أو ولكن وجود تجارة عن تراض غير منهى عنه وتخصيصها بالذكر من بيان سائر أسباب الملك لكونها معظمها وأغلبها وقوعا وأوفقها لذوى المروءات والمراد بالتراضى مراضاة المتبايعين فيما تعاقدا عليه فى حال المبايعة وقت الإيجاب والقبول عندنا وعند الشافعى رحمهالله حالة الاقتراق عن مجلس العقد (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) أى من كان من جنسكم من المؤمنين فإن كلهم كنفس واحدة وعن الحسن لا تقتلوا إخوانكم والتعبير عنهم بالأنفس للمبالغة فى الزجر عن قتلهم بتصويره بصورة ما لا يكاد يفعله عاقل أو لا تهلكوا أنفسكم بتعريضها للعقاب باقتراف ما يفضى إليه فإنه القتل الحقيقى لها كما يشعر به إيراده عقيب النهى عن أكل الحرام فيكون مقررا للنهى السابق وقيل لا تقتلوا أنفسكم بالبخع كما يفعله بعض الجهلة أو بارتكاب ما يؤدى إلى القتل من الجنايات وقيل بإلقائها فى التهلكة وأيد بما روى عن عمرو بن العاص أنه تأوله بالتيمم لخوف البرد فلم ينكر عليه النبى صلىاللهعليهوسلم وقرىء ولا تقتلوا يا لتشديد للتكثير وقد جمع فى التوصية بين حفظ النفس وحفظ المال لما أنه شقيقها من حيث أنه سبب لقوامها وتحصيل كمالاتها واستيفاء فضائلها وتقديم النهى عن التعرض له لكثرة وقوعه (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) تعليل للنهى بطريق الاستئناف أى مبالغا فى الرحمة والرأفة ولذلك نهاكم عما نهى فإن فى ذلك رحمة عظيمة لكم بالزجر عن المعاصى وللذين هم فى معرض التعرض لهم بحفظ أموالهم وأنفسهم وقيل معناه إنه كان بكم يا أمة محمد رحيما حيث أمر بنى إسرائيل بقتلهم أنفسهم ليكون توبة لهم وتمحيصا لخطاياهم ولم يكلفكم تلك التكاليف الشاقة (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) إشارة إلى القتل خاصة أو لما قبله من أكل الأموال وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتهما فى الفساد (عُدْواناً وَظُلْماً) أى إفراطا فى التجاوز عن الحد وإتيانا بما لا يستحقه وقيل أريد بالعدوان التعدى على الغير وبالظلم الظلم على النفس بتعريضها للعقاب ومحلهما النصب على الحالية أو على العلية أى معتديا وظالما أو للعدوان والظلم وقرىء عدوانا بكسر العين (فَسَوْفَ نُصْلِيهِ) جواب للشرط أى ندخله وقرىء بالتشديد من صلى وبفتح النون من صلاه يصليه ومنه شاة مصلية ويصليه بالياء والضمير لله تعالى أو لذلك من حيث إنه سبب للصلى (ناراً) أى نارا مخصوصة هائلة شديدة العذاب (وَكانَ ذلِكَ) أى إصلاؤه النار (عَلَى اللهِ يَسِيراً) لتحقق الداعى وعدم الصارف وإظهار الاسم الجليل بطريق الالتفات لتربية المهابة وتأكيد استقلال الاعتراض التذييلى