(وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) (٣٣)
____________________________________
الحكم البالغة لا لأن عدمه خير له ولا لأنه لو كان خلافه لكان مفسدة له كما قيل إذ لا يساعده ما سيأتى من الأمر بالسؤال من فضله تعالى فإنه ناطق بأن المنهى عنه تمنى نصيب الغير لا تمنى ما زاد على نصيبه مطلقا هذا وقد قيل لما جعل الله تعالى فى الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين قالت النساء نحن أحوج أن يكون لناسهمان وللرجال سهم واحد لأناضعفاء وهم أقوياء وأقدر على طلب المعاش منا فنزلت وهذا هو الأنسب بتعليل النهى بقوله عزوجل (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) فإنه صريح فى جريان التمنى بين فريقى الرجال والنساء ولعل صيغة المذكر فى النهى لما عبر عنهن بالبعض والمعنى لكل من الفريقين فى الميراث نصيب معين المقدار مما أصابه بحسب استعداده وقد عبر عنه بالاكتساب على طريقة الاستعارة التبعية المبنية على تشبيه اقتضاء حاله لنصيبه باكتسابه إياه تأكيدا لاستحقاق كل منهما لنصيبه وتقوية لاختصاصه به بحيث لا يتخطاه إلى غيره فإن ذلك مما يوجبه الانتهاء عن التمنى المذكور وقوله تعالى (وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ) عطف على النهى وتوسيط التعليل بينهما لتقرير الانتهاء مع ما فيه من الترغيب فى الامتثال بالأمر كأنه قيل لا تتمنوا ما يختص بغيركم من نصيبه المكتسب له واسألوا الله تعالى من خزائن نعمه التى لا نفاد لها وحذف المفعول الثانى للتعميم أى واسألوه ما تريدون فإنه تعالى يعطيكموه أو لكونه معلوما من السياق أى واسألوه مثله وقيل من زائدة والتقدير واسألوه فضله وقد جاء فى الحديث لا يتمنين أحدكم مال أخيه ولكن ليقل اللهم ارزقنى اللهم أعطنى مثله وعن ابن مسعود رضى الله عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال سلوا الله من فضله فإنه يحب أن يسأل وأفضل العبادة انتظار الفرج وحمل النصيب على الأجر الأخروى وإبقاء الاكتساب على حقيقته بجعل سبب النزول ما روى أن أم سلمة رضى الله عنها قالت ليت الله كتب علينا الجهاد كما كتبه على الرجال فيكون لنا من الأجر مثل مالهم على أن المعنى لكل من الفريقين نصيب خاص به من الأجر مترتب على عمله فللرجال أجر بمقابلة ما يليق بهم من الأعمال كالجهاد ونحوه وللنساء أجر بمقابلة ما يليق بهن من الأعمال كحفظ حقوق الأزواج ونحوه فلا تتمنى النساء خصوصية أجر الرجال وليسألن من خزائن رحمته تعالى ما يلبق بحالهن من الأجر لا يساعده سياق النظم الكريم المتعلق بالمواريث وفضائل الرجال (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) ولذلك جعل الناس على طبقات ورفع بعضهم على بعض درجات حسب مراتب استعداداتهم الفائضة عليهم بموجب المشيئة المبنية على الحكم الأبية (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) جملة مبتدأة مقررة لمضمون ما قبلها ولكل مفعول ثان لجعلنا قدم عليه لتأكيد الشمول ودفع توهم تعلق الجهل بالبعض دون البعض كما فى قوله تعالى (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) أى ولكل تركة جعلنا ورثة متفاوتة فى الدرجة يلونها ويحرزون منها أنصباءهم بحسب استحقاقهم المنوط بما بينهم وبين المورث من العلاقة ومما ترك بيان لكل قد فصل بينهما بما عمل فيه