(وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً (٣٩) إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) (٤٠)
____________________________________
ليتحروا بالإنفاق مراضيه تعالى وثوابه وهم مشركو مكة المنفقون أموالهم فى عداوة رسول اللهصلىاللهعليهوسلم وقيل المنافقون (وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً) أى فقرينهم الشيطان وإنما حذف للإيذان بظهوره واستغنائه عن التصريح به والمراد به إبليس وأعوانه حيث حملوهم على تلك القبائح وزينوها لهم كما فى قوله تعالى (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) ويجوز أن يكون وعيدا لهم بأن الشيطان يقرن بهم فى النار (وَما ذا عَلَيْهِمْ) أى على من ذكر من الطوائف (لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ) أى ابتغاء لوجه الله تعالى وإنما لم يصرح به تعويلا على التفصيل السابق واكتفاء بذكر الإيمان بالله واليوم الآخر فإنه يقتضى أن يكون الإنفاق لابتغاء وجهه تعالى وطلب ثوابه البتة أى وما الذى عليهم أو وأى تبعة ووبال عليهم فى الإيمان بالله والإنفاق فى سبيله وهو توبيخ لهم على الجهل بمكان المنفعة والاعتقاد فى الشىء بخلاف ما هو عليه وتحريض على التفكر لطلب الجواب لعله يؤدى بهم إلى العلم بما فيه من الفوائد الجليلة والعوائد الجميلة وتنبيه على أن المدعو إلى أمر لا ضرر فيه ينبغى أن يجيب إليه احتياطا فكيف إذا كان فيه منافع لا تحصى وتقديم الإيمان بهما لأهميته فى نفسه ولعدم الاعتداد بالإنفاق بدونه وأما تقديم إنفاقهم رئاء الناس على عدم إيمانهم بهما مع كون المؤخر أقبح من المقدم فلرعاية المناسبة بين إنفاقهم ذلك وبين ما قبله من بخلهم وأمرهم للناس به (وَكانَ اللهُ بِهِمْ) وبأحوالهم المحققة (عَلِيماً) فهو وعيد لهم بالعقاب أو بأعمالهم المفروضة فهو بيان لإثابته تعالى إياهم لو كانوا قد آمنوا وأنفقوا كما ينبئ عنه قوله تعالى (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) المثقال مفعال من الثقل كالمقدار من القدر وانتصابه على أنه نعت للمفعول قائم مقامه سواء كان الظلم بمعنى النقص أو بمعنى وضع الشىء فى غير موضعه أى لا ينقص من الأجر ولا يزيد فى العقاب شيئا مقدار ذرة أو على أنه نعت للمصدر المحذوف نائب منابه أى لا يظلم ظلما مقدار ذرة وهى النملة الصغيرة أو كل جزء من أجزاء الهباء فى الكوة وهو الأنسب بمقام المبالغة فإن قلته فى الثقل أظهر من قلة النملة فيه وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنه أدخل يده فى التراب ثم نفخ فيه فقال كل واحدة من هؤلاء ذرة (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً) أى وإن تك مثقال ذرة حسنة أنث لتأنيث الخبر أو لإضافته إلى الذرة وحذف النون من غير قياس تشبيها بحروف العلة وتخفيفا لكثرة الاستعمال وقرىء حسنة بالرفع على أن كان تامة (يُضاعِفْها) أى يضاعف ثوابها جعل ذلك مضاعفة لنفس الحسنة تنبيها على كمال الاتصال بينهما كأنهما شىء واحد وقرىء يضعفها وكلاهما بمعنى واحد وقرىء نضاعفها بنون العظمة على طريقة الالتفات. عن عثمان النهدى انه قال لأبى هريرة رضى الله عنه بلغنى عنك أنك تقول سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول إن الله تعالى يعطى عبده المؤمن بالحسنة ألف ألف حسنة قال أبو هريرة لا بل سمعته صلىاللهعليهوسلم يقول