(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً) (٤٣)
____________________________________
أى يودون أن يدفنوا فى الأرض وهم لا يكتمون منه تعالى حديثا ولا يكذبونه بقولهم والله ربنا ما كنا مشركين إذ روى أنهم إذا قالوا ذلك ختم الله على أفواههم فتشهد عليهم جوارحهم فيشتد الأمر عليهم فيتمنون أن تسوى بهم الأرض وقرىء تسوى على أن أصله تتسوى فأدغم التاء فى السين وقرىء تسوى بحذف التاء الثانية يقال سويته فتسوى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) لما نهوا فيما سلف عن الإشراك به تعالى نهوا ههنا عما يؤدى إليه من حيث لا يحتسبون فإنه روى أن عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه صنع طعاما وشرابا حين كانت الخمر مباحة فدعا نفرا من الصحابة رضى الله عنهم فأكلوا وشربوا حتى ثملوا وجاء وقت صلاة المغرب فتقدم أحدهم ليصلى بهم فقرأ أعبد ما تعبدون فنزلت وتصدير الكلام بحر فى النداء والتنبيه للمبالغة فى حملهم على العمل بموجب النهى وتوجيه النهى إلى قربان الصلاة مع أن المراد هو النهى عن إقامتها للمبالغة فى ذلك وقيل المراد النهى عن قربان المساجد لقوله عليهالسلام جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم ويأباه قوله تعالى (حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) فالمعنى لا تقيموها فى حالة السكر حتى تعلموا قبل الشروع ما تقولونه إذ بتلك التجربة يظهر أنهم يعلمون ما سيقرءونه فى الصلاة وحمل ما تقولون على ما فى الصلاة يستدعى تقدم الشروع فيها على غاية النهى وحمل العلم على ما بالقوة على معنى حتى تكونوا بحيث تعلمون ما ستقرءون فى الصلاة تطويل بلا طائل لأن تلك الحيثية إنما تظهر بما ذكر من التجربة على أن إيثار ما تقولون على ما تقرءون حينئذ يكون عاريا عن الداعى وقيل المراد بالسكر سكر النعاس وغلبة النوم وأيا ما كان فليس مرجع النهى هو المقيد مع بقاء القيد مرخصا بحاله بل إنما هو القيد مع بقاء المقيد على حاله إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا كأنه قيل يأيها الذين آمنوا لا تسكروا فى أوقات الصلاة وقد روى أنهم كانوا بعد ما نزلت الآية لا يشربون الخمر فى أوقات الصلاة فإذا صلوا العشاء شربوها فلا يصبحون إلا وقد ذهب عنهم السكر وعلموا ما يقولون (وَلا جُنُباً) عطف على قوله تعالى (وَأَنْتُمْ سُكارى) فإنه فى حيز النصب كأنه قيل لا تقربوا الصلاة سكارى ولا جنبا والجنب من أصابه الجنابة يستوى فيه المذكر والمؤنث والواحد والجمع لجريانه مجرى المصدر (إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) استثناء مفرغ من أعم الأحوال محله النصب على أنه حال من ضمير لا تقربوا باعتبار تقيده بالحال الثانية دون الأولى والعامل فيه فعل النهى أى لا تقربوا الصلاة جنبا فى حال من الأحوال إلا حال كونكم مسافرين على معنى أن فى حالة السفر ينتهى حكم النهى لكن لا بطريق شمول النفى لجميع صورها بل بطريق نفى الشمول فى الجملة من غير دلالة على انتفاء خصوصية البعض المنتفى ولا على بقاء خصوصية