البعض الباقى ولا على ثبوت نقيضه لا كليا ولا جزئيا فإن الاستثناء لا يدل على ذلك عبارة نعم يشير إلى مخالفة حكم ما بعده لما قبله إشارة إجمالية يكتفى بها فى المقامات الخطابية لا فى إثبات الأحكام الشرعية فإن ملاك الأمر فى ذلك إنما هو الدليل وقد ورد عقيبه على طريقة البيان وقيل هو صفة لجنبا على أن إلا بمعنى غير أى وإلا جنبا غير عابرى سبيل ومن حمل الصلاة على مواضعها فسر العبور بالاجتياز بها وجوز للجنب عبور المسجد وبه قال الشافعى رحمهالله وعندنا لا يجوز ذلك إلا أن يكون الماء أو الطريق فيه وقيل إن رجالا من الأنصار كانت أبوابهم فى المسجد وكان يصيبهم الجنابة ولا يجدون ممرا إلا فى المسجد فرخص لهم ذلك (حَتَّى تَغْتَسِلُوا) غاية للنهى عن قربان الصلاة حالة الجنابة ولعل تقديم الاستثناء عليه للإيذان من أول الأمر بأن حكم النهى فى هذه الصورة ليس على الإطلاق كما فى صورة السكر تشويقا إلى البيان وروما لزيادة تقرره فى الأذهان وفى الآية الكريمة إشارة إلى أن المصلى حقه أن يتحرز عما يلهيه ويشغل قلبه وأن يزكى نفسه عما يدنسها ولا يكتفى بأدنى مراتب التزكية عند إمكان أعاليها (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى) شروع فى تفصيل ما أجمل فى الاستثناء وبيان ما هو فى حكم المستثنى من الأعذار والاقتصار فيما قبل على استثناء السفر مع مشاركة الباقى له فى حكم الترخيص للإشعار بأنه العذر الغالب المنبئ عن الضرورة التى عليها يدور أمر الرخصة كأنه قيل ولا جنبا إلا مضطرين وإليه مرجع ما قيل من أنه جعل عابرى سبيل كناية عن مطلق المعذورين والمراد بالمرض ما يمنع من استعمال الماء مطلقا سواء كان ذلك بتعذر الوصول إليه أو بتعذر استعماله (أَوْ عَلى سَفَرٍ) عطف على (مَرْضى) أى أو كنتم على سفر ما طال أو قصر وإيراده صريحا مع سبق ذكره بطريق الاستثناء لبناء الحكم الشرعى عليه وبيان كيفيته فإن الاستثاء كما أشير إليه بمعزل من الدلالة على ثبوته فضلا عن الدلالة على كيفيته وتقديم المرض عليه للإيذان بأصالته واستقلاله بأحكام لا توجد فى غيره كالاشتداد باستعمال الماء ونحوه (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) هو المكان الغائر المطمئن والمجىء منه كناية عن الحدث لأن المعتاد أن من يريده يذهب إليه ليوارى شخصه عن أعين الناس وإسناد المجىء منه إلى واحد مبهم من المخاطبين دونهم للتفادى عن التصريح بنسبتهم إلى ما يستحيا منه أو يستهجن التصريح به وكذلك إيثار الكناية فيما عطف عليه من قوله عزوجل (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) على التصريح بالجماع ونظمهما فى سلك سببى سقوط الطهارة والمصير إلى التيمم مع كونهما سببى وجوبها ليس باعتبار انفسهما بل باعتبار قيدهما المستفاد من قوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً) بل هو السبب فى الحقيقة وإنما ذكرا تمهيدا له وتنبيها على أنه سبب للرخصة بعد انعقاد سبب الطهارة الصغرى والكبرى كأنه قيل أو لم تكونوا مرضى أو مسافرين بل كنتم فاقدين للماء بسبب من الأسباب مع تحقق ما يوجب استعماله وتخصيص ذكره بهذه الصورة مع أنه معتبر فى صورة المرض والسفر أيضا لندرة وقوعه فيها واستغنائهما عن ذكره إما لأن الجنابة معتبرة فيهما قطعا فيعلم من حكمها حكم الحدث الأصغر بدلالة النص لأن تقدير النظم لا تقربوا الصلاة فى حال الجنابة إلا حال كونكم مسافرين فإن كنتم كذلك أو كنتم مرضى الخ وإما لما قيل من أن عموم إعواز الماء فى حق المسافر غالب والعجز عن استعمال الماء القائم مقام عدمه فى حق المريض مغن عن ذكره لفظا وما قيل من أن هذا القيد راجع إلى الكل وأن قيد وجوب التطهر المكنى عنه بالمجىء من الغائط والملامسة