(انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً (٥٠) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً) (٥١)
____________________________________
عنا بالليل وما عملنا بالليل كفر عنا بالنهار أى انظر إليهم فتعجب من ادعائهم أنهم أزكياء عند الله تعالى مع ما هم عليه من الكفر والإثم العظيم أو من ادعائهم التكفير مع استحالة أن يغفر للكافر شىء من كفره أو معاصيه وفيه تحذير من إعجاب المرء بنفسه وبعمله (بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ) عطف على مقدر ينساق إليه الكلام كأنه قيل هم لا يزكونها فى الحقيقة لكذبهم وبطلان اعتقادهم بل الله يزكى من يشاء تزكيته ممن يستأهلها من المرتضين من عباده المؤمنين إذ هو العليم الخبير بما ينطوى عليه البشر من المحاسن والمساوى وقد وصفهم الله بما هم متصفون به من القبائح وأصل التزكية نفى ما يستقبح بالفعل أو القول (وَلا يُظْلَمُونَ) عطف على جملة قد حذفت تعويلا على دلالة الحال عليها وإيذانا بأنها غنية عن الذكر أى يعاقبون بتلك الفعلة القبيحة ولا يظلمون فى ذلك العقاب (فَتِيلاً) أى أدنى ظلم وأصغره وهو الخيط الذى فى شق النواة يضرب به المثل فى القلة والحقارة وقيل التقدير يثاب المزكون ولا ينقص من ثوابهم شىء أصلا ولا يساعده مقام الوعيد (انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) كيف نصب إما على التشبيه بالظرف أو بالحال على الخلاف المشهور بين سيبويه والأخفش والعامل يفترون وبه تتعلق على أى فى أى حال أو على أى حال يفترون عليه تعالى الكذب والمراد بيان شناعة تلك الحال وكمال فظاعتها والجملة فى محل النصب بعد نزع الخافض والنظر متعلق بها وهو تعجيب إثر تعجيب وتنبيه على أن ما ارتكبوه متضمن لأمرين عظيمين موجبين للتعجيب ادعاؤهم الاتصاف بما هم متصفون بنقيضه وافتراؤهم على الله سبحانه فإن ادعاءهم الزكاء عنده تعالى متضمن لادعائهم قبول الله وارتضاءه إياهم تعالى عن ذلك علوا كبيرا ولكون هذا أشنع من الأول جرما وأعظم قبحا لما فيه من نسبته سبحانه وتعالى إلى ما يستحيل عليه بالكلية من قبول الكفر وارتضائه لعباده ومغفرة كفر الكافر وسائر معاصيه وجه النظر إلى كيفيته تشديدا للتشنيع وتأكيدا للتعجيب والتصريح بالكذب مع أن الافتراء لا يكون إلا كذبا للمبالغة فى تقبيح حالهم (وَكَفى بِهِ) أى بافترائهم هذا من حيث هو افتراء عليه تعالى مع قطع النظر عن مقارنته لتزكية أنفسهم وسائر آثامهم العظام (إِثْماً مُبِيناً) ظاهرا بينا كونه إثما والمعنى كفى ذلك وحده فى كونهم أشد إثما من كل كفار أثيم أو فى استحقاقهم لأشد العقوبات لما مر سره وجعل الضمير لزعمهم مما لا مساغ له لإخلاله بتهويل أمر الافتراء فتدبر (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) تعجيب من حال أخرى لهم ووصفهم بما ذكر من إيتاء النصيب لما مر من منافاته لما صدر عنهم من القبائح وقوله عزوجل (يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) استئناف مبين لمادة التعجب مبنى على سؤال ينساق إليه الكلام كأنه قيل ماذا يفعلون حين ينظر إليهم فقيل يؤمنون الخ والجبت الأصنام وكل ما عبد من دون الله تعالى فقيل أصله الجبس وهو الذى