(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً) (٥٦)
____________________________________
هؤلاء الحاسدين وآبائهم من آمن بما أوتى آل إبراهيم ومنهم من أعرض عنه وأما جعل الضميرين لما ذكر من حديث آل إبراهيم فيستدعى تراخى الآية الكريمة عما قبلها نزولا كيف لا وحكاية إيمانهم بالحديث المذكور وإعراضهم عنه بصيغة الماضى إنما يتصور بعد وقوع الإيمان والإعراض المتأخرين عن سماع الحديث المتأخر عن نزوله وكذا جعلهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذ الظاهر بيان حالهم بعد هذا الإلزام وحمله على حكاية حالهم السابقة لا تساعده الفاء المرتبة لما بعدها على ما قبلها ولا يبعد كل البعد أن تكون الهمزة لتقرير حسدهم وتوبيخهم بذلك ويكون قوله تعالى (فَقَدْ آتَيْنا) الآية تعليلا له بدلالته على إعراضهم عما أوتى آل إبراهيم وإن لم يذكر كونه بطريق الحسد كأنه قيل بل أيحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ولا يؤمنون به وذلك ديدنهم المستمر فإنا قد آتينا آل إبراهيم ما آتينا فمنهم أى من جنسهم من آمن بما آتيناهم ومنهم من أعرض عنه ولم يؤمن به والله سبحانه أعلم وفيه تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم (وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) نارا مسعرة يعذبون بها والجملة تذييل لما قبلها (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا) إن أريد بهم الذين كفروا برسول الله صلىاللهعليهوسلم فالمراد بالآيات إما القرآن أو ما يعم كله وبعضه أو ما يعم سائر معجزاته أيضا وإن أريد بهم الجنس المتناول لهم تناولا أوليا فالمراد بالآيات ما يعم المذكورات وسائر الشواهد التى أوتيها الأنبياء عليهمالسلام (سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً) قال سيبويه سوف كلمة تذكر للتهديد والوعيد وينوب عنها السين وقد يذكر ان فى الوعد فيفيدان التأكيد أى ندخلهم نارا عظيمة هائلة (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ) أى احترقت وكلما ظرف زمان والعامل فيه (بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) من قبيل بدله بخوفه أمنا لا من قبيل يبدل الله سيئائهم حسنات أى أعطيناهم مكان كل جلد محترق عند احتراقه جلدا جديدا مغايرا للمحترق صورة وإن كان عينه مادة بأن يزال عنه الاحتراق ليعود إحساسه للعذاب والجملة فى محل النصب على أنها حال من ضمير نصليهم وقد جوز كونها صفة لنارا على حذف العائد أى كلما نضجت فيها جلودهم فمعنى قوله تعالى (لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) ليدوم ذوقه ولا ينقطع كقولك للعزيز أعزك الله وقيل يخلق مكانه جلدا آخر والعذاب للنفس العاصية لا لآلة إدراكها قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما يبدلون جلودا بيضاء كأمثال القراطيس وروى أن هذه الآية قرئت عند عمر رضى الله تعالى عنه فقال للقارىء أعدها فأعادها وكان عنده معاذ بن جبل فقال معاذ عندى تفسيرها يبدل فى ساعة مائة مرة فقال عمر رضى الله عنه هكذا سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول وقال الحسن تأكلهم النار كل يوم سبعين ألف مرة كلما أكلتهم قيل لهم عودوا فيعودون كما كانوا وروى أبو هريرة عن النبى صلىاللهعليهوسلم إن بين منكبى الكافر مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع وعن أبى هريرة أنه قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ضرس الكافر أو ناب الكافر مثل أحد وغلظ جلده مسيرة ثلاثة أيام والتعبير عن إدراك العذاب بالذوق ليس لبيان قلته بل