(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (٥٤) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) (٥٥)
____________________________________
كانوا أصحاب أموال وبساتين وقصور مشيدة كالملوك فلا يؤتون الناس مع ذلك نفيرا كما تقول لغنى لا يراعى أباه ألك هذا القدر من المال فلا تنفق على أبيك شيئا وفائدة إذن تأكيد الإنكار والتوبيخ حيث يجعلون ثبوت النصيب سببا للمنع مع كونه سببا للإعطاء وهى ملغاة عن العمل كأنه قيل فلا يؤتون الناس إذن وقرىء فإذن لا يؤتوا بالنصب على إعمالها (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ) منقطعة أيضا مفيدة للانتقال من توبيخهم بما سبق إلى توبيخهم بالحسد الذى هو شر الرذائل وأقبحها لا سيما على ما هم بمعزل من استحقاقه واللام فى الناس للعهد والإشارة إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين وحمله على الجنس إيذانا بحيازتهم الكمالات البشرية قاطبة فكأنهم هم الناس لا غير لا يلائمه ذكر حديث آل إبراهيم فإن ذلك لتذكير ما بين الفريقين من العلاقة الموجبة لاشتراكهما فى استحقاق الفضل والهمزة لإنكار الواقع واستقباحه فإنهم كانوا يطمعون أن يكون النبى الموعود منهم فلما خص الله تعالى بتلك الكرامة غيرهم حسدوهم أى بل أيحسدونهم (عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) يعنى النبوة والكتاب وازدياد العز والنصر يوما فيوما وقوله تعالى (فَقَدْ آتَيْنا) تعليل للإنكار والاستقباح وإلزام لهم بما هو مسلم عندهم وحسم لمادة حسدهم واستبعادهم المبنيين على توهم عدم استحقاق المحسود لما أوتى من الفضل ببيان استحقاقه له بطريق الوراثة كابرا عن كابر وإجراء الكلام على سنن الكبرياء بطريق الالتفات لإظهار كمال العناية بالأمر والمعنى أن حسدهم المذكور فى غاية القبح والبطلان فإنا قد آتينا من قبل هذا (آلَ إِبْراهِيمَ) الذين هم أسلاف محمد صلىاللهعليهوسلم أو أبناء أعمامه (الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) أى النبوة (وَآتَيْناهُمْ) مع ذلك (مُلْكاً عَظِيماً) لا يقادر قدره فكيف يستبعدون نبوته صلىاللهعليهوسلم ويحسدونه على إيتائها وتكرير الإيتاء لما يقتضيه مقام التفضيل مع الإشعار بما بين النبوة والملك من المغايرة فإن أريد به الإيتاء بالذات فالمراد بآل إبراهيم أنبياؤهم خاصة والضمير المنصوب فى الفعل الثانى لبعضهم إما بحذف المضاف أو بطريق الاستخدام لما أن الملك لم يؤت كلهم. قال ابن عباس رضى الله عنهما الملك فى آل إبراهيم ملك يوسف وداود وسليمان عليهمالسلام وإن أريد به ما يعمه وغيره من الإيتاء بالواسطة وهو اللائق بالمقام والأوفق لما قبله من نسبة إيتاء الفضل إلى الناس فالمراد بآل إبراهيم كلهم فإن تشريف البعض بما ذكر من إيتاء النبوة والملك تشريف للكل لاعتنائهم بآثاره واقتباسهم من أنواره وفى تفصيل ما أوتوه وتكرير الفعل ووصف الملك بالعظم وتنكيره التفخيمى من تأكيد الإلزام وتشديد الإنكار ما لا يخفى هذا هو المتبادر من النظم الكريم وإليه جنح جمهور أئمة التفسير لكن الظاهر حينئذ أن يكون قوله تعالى (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ) حكاية لما صدر عن أسلافهم عقيب وقوع المحكى من غير أن يكون له دخل فى الإلزام الذى سيق له الكلام أى فمن جنس