(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (٩٤)
____________________________________
ما نحن فيه على الأصل المذكور لأنه إخبار منه تعالى بأن جزاءه ذلك لا بأنه يجزيه بذلك كيف لا وقد قال الله تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها ولو كان هذا إخبارا بأنه تعالى يجزى كل سيئة بمثلها لعارضه قوله تعالى (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إثر ما بين حكم القتل بقسميه وأن ما يتصور صدوره عن المؤمن إنما هو القتل خطأ شرع فى التحذير عما يؤدى إليه من قلة المبالاة فى الأمور (إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) أى سافرتم فى الغزو ولما فى إذا من معنى الشرط صدر قوله تعالى (فَتَبَيَّنُوا) بالفاء أى فاطلبوا بيان الأمر فى كل ما تأتون وما تذرون ولا تعجلوا فيه بغير تدبر وروية وقرىء فتثبتوا أى اطلبوا إثباته وقوله تعالى (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ) نهى عما هو نتيجة لترك المأمور به وتعيين لمادة مهمة من المواد التى يجب فيها التبيين وقرىء السلم بغير ألف وبكسر السين وسكون اللام أى لا تقولوا بغير تأمل لمن حياكم بتحية الإسلام أو لمن ألقى إليكم مقاليد الاستسلام والانقياد (لَسْتَ مُؤْمِناً) وإنما أظهرت ما أظهرت متعوذا بل اقبلوا منه ما أظهره وعاملوه بموجبه وقرىء مؤمنا بالفتح أى مبذولا لك الأمان وهذا أنسب بالقراءتين الأخرتين والاقتصار على ذكر تحية الإسلام فى القراءة الأولى مع كونها مقرونة بكلمتى الشهادة كما سيأتى فى سبب النزول للمبالغة فى النهى والزجر والتنبيه على كمال ظهور خطئهم ببيان أن تحية الإسلام كانت كافية فى المكافة والانزجار عن التعرض لصاحبها فكيف وهى مقرونة بهما وقوله تعالى (تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا) حال من فاعل لا تقولوا منبئ عما يحملهم على العجلة وترك التأنى لكن لا على أن يكون النهى راجعا إلى القيد فقط كما فى قولك لا تطلب العلم تبتغى به الجاه بل إليهما جميعا أى لا تقولوا له ذلك حال كونكم طالبين لماله الذى هو حطام سريع النفاد وقوله تعالى (فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ) تعليل للنهى عن ابتغاء ماله بما فيه من الوعد الضمنى كأنه قيل لا تبتغوا ماله فعند الله مغانم كثيرة يغنمكموها فيغنيكم عن ارتكاب ما ارتكبتموه وقوله تعالى (كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ) تعليل للنهى عن القول المذكور ولعل تأخيره لما فيه من نوع تفصيل ربما يخل تقديمه بتجاوب أطراف النظم الكريم مع ما فيه من مراعاة المقارنة بين التعليل السابق وبين ما علل به كما فى قوله تعالى (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ) الخ وتقديم خبر كان للقصر المفيد لتأكيد المشابهة بين طرفى التشبيه وذلك إشارة إلى الموصول باعتبار اتصافه بما فى حيز الصلة والفاء فى فمن للعطف على كنتم أى مثل ذلك الذى ألقى إليكم السلام كنتم أنتم أيضا فى مبادى إسلامكم لا يظهر منكم للناس غير ما ظهر منه لكم من تحية الإسلام ونحوها فمن الله عليكم بأن قبل منكم تلك المرتبة وعصم بها دماءكم وأموالكم ولم يأمر بالتفحص عن سرائركم والفاء فى قوله تعالى (فَتَبَيَّنُوا)