(إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (٩٨) فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً) (٩٩)
____________________________________
الصريح بما هم فيه من التقصير متعللين بما يوجبه على زعمهم (كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ) أى فى أرض مكة عاجزين عن القيام بمواجب الدين فيما بين أهلها (قالُوا) إبطالا لتعللهم وتبكيتا لهم (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) إلى قطر آخر منها تقدرون فيه على إقامة أمور الدين كما فعله من هاجر إلى المدينة وإلى الحبشة وأما حمل تعللهم على إظهار العجز عن الهجرة وجعل جواب الملائكة تكذيبا لهم فى ذلك فيرده أن سبب العجز عنها لا ينحصر فى فقدان دار الهجرة بل قد يكون لعدم الاستطاعة للخروج بسبب الفقر أو لعدم تمكين الكفرة منه فلا يكون بيان سعة الأرض تكذيبا لهم وردا عليهم بل لابد من بيان استطاعتهم أيضا حتى يتم التبكيت وقيل كانت الطائفة المذكورة قد خرجوا مع المشركين إلى بدر منهم قيس بن الفاكه بن المغيرة وقيس بن الوليد بن المغيرة وأشباههما فقتلوا فيها فضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم وقالوا لهم ما قالوا فيكون ذلك منهم تقريعا وتوبيخا لهم بما كانوا فيه من مساعدة الكفرة وانتظامهم فى عسكرهم ويكون جوابهم بالاستضعاف تعللا بأنهم كانوا مقهورين تحت أيديهم وأنهم أخرجوهم كارهين فرد عليهم بأنهم كانوا بسبيل من الخلاص عن قهرهم متمكنين من المهاجرة (فَأُولئِكَ) الذين حكيت أحوالهم الفظيعة (مَأْواهُمْ) أى فى الآخرة (جَهَنَّمُ) كما أن مأواهم فى الدنيا دار الكفر لتركهم الفريضة المحتومة فمأواهم مبتدأ وجهنم خبره والجملة خبر لأولئك وهذه الجملة خبر إن والفاء فيه لتضمن اسمها معنى الشرط وقوله تعالى (قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ) حال من (الْمَلائِكَةُ) بإضمار قد عند من يشترطه أو هو الخبر والعائد منه محذوف أى قالوا لهم والجملة المصدرة بالفاء معطوفة عليه مستنتجة منه ومما فى حيزه (وَساءَتْ مَصِيراً) أى مصيرهم أى جهنم وفى الآية الكريمة إرشاد إلى وجوب المهاجرة من موضع لا يتمكن الرجل من إقامة أمور دينه بأى سبب كان وعن النبى صلىاللهعليهوسلم من فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبرا من الأرض استوجبت له الجنة وكان رفيق أبيه إبراهيم ونبيه محمدصلىاللهعليهوسلم (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ) استثناء منقطع لعدم دخولهم فى الموصول وضميره والإشارة إليه ومن فى قوله تعالى (مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ) متعلقة بمحذوف وقع حالا من المستضعفين أى كائنين منهم وذكر الولدان إن أريد بهم المماليك أو المراهقون ظاهر وأما إن أريد بهم الأطفال فللمبالغة فى أمر الهجرة وإيهام أنها بحيث لو استطاعها غير المكلفين لوجبت عليهم والإشعار بأنهم لا محيص لهم عنها البتة تجب عليهم كما بلغوا حتى كأنها واجبة عليهم قبل البلوغ لو استطاعوا وأن قومهم يجب عليهم أن يهاجروا بهم متى أمكنت وقوله تعالى (لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) صفة للمستضعفين فإن ما فيه من اللام ليس للتعريف أو حال منه أو من الضمير المستكن فيه وقيل تفسير لنفس المستضعفين لكثرة وجوه الاستضعاف واستطاعة الحيلة وجدان أسباب الهجرة ومباديها واهتداء السبيل معرفة طريق الموضع المهاجر إليه بنفسه أو بدليل (فَأُولئِكَ)