(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً) (٩٧)
____________________________________
التنكير بطريق الإبهام بحيث يقطع احتمال كونه للوحدة فقيل ما قيل ولله در شأن التنزيل وإما للاختلاف بالذات بين التفضيلين وبين الدرجة والدرجات على أن المراد بالتفضيل الأول ما خولهم الله تعالى عاجلا فى الدنيا من الغنيمة والظفر والذكر الجميل الحقيق بكونه درجة واحدة وبالتفضيل الثانى ما أنعم به فى الآخرة من الدرجات العالية الفائتة للحصر كما ينبئ عنه تقديم الأول وتأخير الثانى وتوسيط الوعد بالجنة بينهما كأنه قيل وفضلهم عليهم فى الدنيا درجة واحدة وفى الآخرة درجات لا تحصى وقد وسط بينهما فى الذكر ما هو متوسط بينهما فى الوجود أعنى الوعد بالجنة توضيحا لحالهما ومسارعة إلى تسلية المفضول والله سبحانه أعلم. هذا ما بين المجاهدين وبين القاعدين غير أولى الضرر وأما أولوا الضرر فهم مساوون للمجاهدين عند القائلين بمفهوم الصفة وبأن الاستثناء من النفى إثبات وأما عند من لا يقول بذلك فلا دلالة لعبارة النص عليه وقد روى عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لقد خلفتم فى المدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم وهم الذين صحت نياتهم ونصحت جيوبهم وكانت أفئدتهم تهوى إلى الجهاد وبهم ما يمنعهم من المسير من ضرار أو غيره وبعبارة أخرى إن فى المدينة لأقواما ما سرتم من مسير ولا قطعتم من واد إلا كانوا معكم فيه قالوا يا رسول الله وهم بالمدينة قال نعم وهم بالمدينة حبسهم العذر قالوا هذه المساواة مشروطة بشريطة أخرى سوى الضرر قذ ذكرت فى قوله تعالى (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى) إلى قوله (إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) وقيل القاعدون الأول هم الأضراء والثانى غيرهم وفيه من تفكيك النظم الكريم ما لا يخفى ولا ريب فى أن الأضراء أفضل من غيرهم درجة كما لا ريب فى أنهم دون المجاهدين بحسب الدرجة الدنيوية (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) تذييل مقرر لما وعد من المغفرة والرحمة (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) بيان لحال القاعدين عن الهجرة إثر بيان حال القاعدين عن الجهاد وتوفاهم يحتمل أن يكون ماضيا ويؤيده قراءة من قرأ توفتهم وأن يكون مضارعا قد حذف منه إحدى التاءين وأصله تتوفاهم على حكاية الحال الماضية والقصد إلى استحضار صورتها ويعضده قراءة من قرأ توفاهم على مضارع وفيت بمعنى أن الله تعالى يوفى الملائكة أنفسهم فيتوفونها أى يمكنهم من استيفائها فيستوفونها (ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) حال من ضمير توفاهم فإنه وإن كان مضافا إلى المعرفة إلا أنه نكرة فى الحقيقة لأن المعنى على الانفصال وإن كان موصولا فى اللفظ كما فى قوله تعالى (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) و (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) و (ثانِيَ عِطْفِهِ) أى محلين الصيد وبالغا الكعبة وثانيا عطفه كأنه قيل ظالمين أنفسهم وذلك بترك الهجرة واختيار مجاورة الكفرة الموجبة للإخلال بأمور الدين فإنها نزلت فى ناس من مكة قد أسلموا ولم يهاجروا حين كانت الهجرة فريضة (قالُوا) أى الملائكة للمتوفين تقريرا لهم بتقصيرهم فى إظهار إسلامهم وإقامة أحكامه من الصلاة ونحوها وتوبيخها لهم بذلك (فِيمَ كُنْتُمْ) أى فى أى شىء كنتم من أمور دينكم (قالُوا) استئناف مبنى على سؤال نشا من حكاية سؤال الملائكة كأنه قيل فماذا قالوا فى الجواب فقيل قالوا متجانفين عن الإقرار