(دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (٩٦)
____________________________________
تعليلا لعدم الاستواء مسوقا لإثباته وفيه تعكيس ظاهر فإن الذى يحق أن يكون مقصودا بالذات إنما هو بيان تفاضل الفريقين على درجات متفاوته. وأما عدم استوائهما فقصارى أمره أن يكون توطئة لذكره ولام المجاهدين والقاعدين للعهد فقيد كون الجهاد فى سبيل الله معتبر فى الأول كما أن قيد عدم الضرر معتبر فى الثانى ودرجة نصب على المصدرية لوقوعها موقع المرة من التفضيل أى فضل الله تفضيلة أو على نزع الخافض أى بدرجة وقيل على التمييز وقيل على الحالية من المجاهدين أى ذوى درجة وتنوينها للتفخيم وقوله تعالى (وَكُلًّا) مفعول أول لما يعقبه قدم عليه لإفادة القصر تأكيدا للوعد أى كل واحد من المجاهدين والقاعدين (وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) أى المثوبة الحسنى وهى الجنة لا أحدهما فقط كما فى قوله تعالى (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) على أن اللام متعلقة برسولا والجملة اعتراض جىء به تداركا لما عسى يوهمه تفضيل أحد الفريقين على الآخر من حرمان المفضول وقوله عزوجل (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ) عطف على قوله تعالى (فَضَّلَ اللهُ) الخ واللام فى الفريقين مغنية لهما عن ذكر القيود التى تركت على سبيل التدريج وقوله تعالى (أَجْراً عَظِيماً) مصدر مؤكد لفضل على أنه بمعنى أجر وإيثاره على ما هو مصدر من فعله للإشعار بكون ذلك التفضيل أجرا لأعمالهم أو مفعول ثان له بتضمينه معنى الإعطاء أى أعطاهم زيادة على القاعدين أجرا عظيما وقيل هو منصوب بنزع الخافض أى فضلهم بأجر عظيم وقوله تعالى (دَرَجاتٍ) بدل من أجرا بدل الكل مبين لكمية التفضيل وقوله تعالى (مِنْهُ) متعلق بمحذوف وقع صفة لدرجات دالة على فخامتها وجلالة قدرها أى درجات كائنة منه تعالى قال ابن محيريز هى سبعون درجة ما بين كل درجتين عدو الفرس الجواد المضمر سبعين خريفا وقال السدى هى سبعمائة درجة وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلىاللهعليهوسلم قال إن فى الجنة مائة درجة أعدها الله تعالى للمجاهدين فى سبيله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض ويجوز أن يكون انتصاب درجات على المصدرية كما فى قولك ضربه أسواطا أى ضربات كأنه قيل فضلهم تفضيلات وقوله تعالى (وَمَغْفِرَةً) بدل من أجرا بدل البعض لأن بعض الأجر ليس من باب المغفرة أى مغفرة لما يفرط منهم من الذنوب التى لا يسترها سائر الحسنات التى يأتى بها القاعدون أيضا حتى تعد من خصائصهم وقوله تعالى (وَرَحْمَةً) بدل الكل من أجرا مثل درجات ويجوز أن يكون انتصابهما بإضمار فعلهما أى غفر لهم مغفرة ورحمهم رحمة هذا ولعل تكرير التفضيل بطريق العطف المنبئ عن المغايرة وتقييده تارة بدرجة وأخرى بدرجات مع اتحاد المفضل والمفضل عليه حسبما يقتضيه الكلام ويستدعيه حسن النظام إما لتنزيل الاختلاف العنوانى بين التفضيلين وبين الدرجة والدرجات منزلة الاختلاف الذاتى تمهيدا لسلوك طريق الإبهام ثم التفسير روما لمزيد التحقيق والتقرير كما فى قوله تعالى (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) كأنه قيل فضل الله المجاهدين على القاعدين درجة لا يقادر قدرها ولا يبلغ كنهها وحيث كان تحقق هذا البون البعيد بينهما موهما لحرمان القاعدين قيل وكلا وعد الله الحسنى ثم أريد تفسير ما أفاده