(لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) (٩٥)
____________________________________
أن على أنها معمولة لتبينوا أو على حذف لام التعليل (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ) بيان لتفاوت طبقات المؤمنين بحسب تفاوت درجات مساعيهم فى الجهاد بعد ما مر من الأمر به وتحريض المؤمنين عليه ليأنف القاعد عنه ويترفع بنفسه عن انحطاط رتبته فيهتزله رغبة فى ارتفاع طبقته والمراد بهم الذين أذن لهم فى القعود عن الجهاد اكتفاء بغيرهم قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما هم القاعدون عن بدر والخارجون إليها وهو الظاهر الموافق لتاريخ النزول لا ما روى عن مقاتل من أنهم الخارجون إلى تبوك فإنه مما لا يوافقه التاريخ ولا يساعده الحال إذ لم يكن للمتخلفين يومئذ هذه الرخصة وقوله تعالى (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) متعلق بمحذوف وقع حالا من القاعدين أى كائنين من المؤمنين وفائدتها الإيذان من أول الأمر بعدم إخلال وصف القعود بإيمانهم والإشعار بعلة استحقاقهم لما سيأتى من الحسنى (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) صفة للقاعدون لجريانه مجرىء النكرة حيث لم يقصد به قوم بأعيانهم أو بدل منه وقرىء بالنصب على أنه حال منه أو استثناء وبالجر على أنه صفة للمؤمنين أو بدل منه والضرر المرض أو العاهة من عمى أو عرج أو زمانة أو نحوها وفى معناه العجز عن الأهبة عن زيد بن ثابت رضى الله تعالى عنه أنه قال كنت إلى جنب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فغشيته السكينة فوقعت فخذه على فخذى حتى خشيت أن ترضها ثم سرى عنه فقال اكتب فكتبت لا يستوى القاعدون من المؤمنين والمجاهدون فقال ابن أم مكتوم وكان أعمى يا رسول الله وكيف بمن لا يستطيع الجهاد من المؤمنين فغشيته السكينة كذلك ثم سرى عنه فقال اكتب لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر (وَالْمُجاهِدُونَ) إيرادهم بهذا العنوان دون الخروج المقابل لوصف المعطوف عليه كما وقع فى عبارة ابن عباس رضى الله تعالى عنهما وكذا تقييد المجاهدة بكونها (فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) لمدحهم بذلك والإشعار بعلة استحقاقهم لعلو المرتبة مع ما فيه من حسن موقع السبيل فى مقابلة القعود وتقديم القاعدين فى الذكر والإيذان من أول الأمر بأن القصور الذى ينبئ عنه عدم الاستواء من جهتهم لا من جهة مقابليهم فإن مفهوم عدم الاستواء بين الشيئين المتفاوتين زيادة ونقصانا وإن جاز اعتباره بحسب زيادة الزائد لكن المتبادر اعتباره بحسب قصور القاصر وعليه قوله تعالى (هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) إلى غير ذلك وأما قوله تعالى (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) فلعل تقديم الفاضل فيه لأن صلته ملكة لصلة المفضول وقوله عزوجل (فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً) استئناف مسوق لتفصيل ما بين الفريقين من التفاضل المفهوم من ذكر عدم استوائهما إجمالا ببيان كيفيته وكميته مبنى على سؤال ينساق إليه المقال كأنه قيل كيف وقع ذلك فقيل فضل الله الخ وأما تقدير ما لهم لا يستوون فإنما يليق بجعل الاستئناف