(إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (١٠٥) وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٦) وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً (١٠٧) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) (١٠٨)
____________________________________
(إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ) روى أن رجلا من الأنصار يقال له طعمة بن أبيرق من بنى ظفر سرق درعا من جاره قتادة بن النعمان فى جراب دقيق فجعل الدقيق ينتثر من خرق فيه فخبأها عند زيد بن السمين اليهودى فالتمست الدرع عند طعمة فلم توجد وحلف ما أخذها وماله بها علم فتركوه واتبعوا أثر الدقيق حتى انتهى إلى منزل اليهودى فأخذوها فقال دفعها إلى طعمة وشهد له ناس من اليهود فقالت بنو ظفر انطلقوا بنا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فسألوه أن يجادل عن صاحبهم وشهدوا ببراءته وسرقة اليهودى فهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يفعل فنزلت وروى أن طعمة هرب إلى مكة وارتد ونقب حائطا بمكة ليسرق أهله فسقط الحائط عليه فقتله وقيل نزل على رجل من بنى سليم من أهل مكة يقال له الحجاج بن علاط فنقب بيته فسقط عليه حجر فلم يستطع الدخول ولا الخروج فأخذ ليقتل فقيل دعه فإنه قد لجأ إليك فتركه وأخرجوه من مكة فالتحق بتجار من قضاعة نحو الشام فنزلوا منزلا فسرق بعض متاعهم وهرب فأخذوه ورجموه بالحجارة حتى قتلوه وقيل إنه ركب سفينة إلى جدة فسرق فيها كيسا فيه دنانير فأخذ وألقى فى البحر (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) أى بما عرفك وأوحى به إليك (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ) أى لأجلهم والذب عنهم وهم طعمة ومن يعينه من قومه أو هو ومن يسير بسيرته (خَصِيماً) مخاصما للبرآء أى لا تخاصم اليهود لأجلهم والنهى معطوف على أمر ينسحب عليه النظم الكريم كأنه قيل فاحكم به ولا تكن الخ (وَاسْتَغْفِرِ اللهَ) مما هممت به تعويلا على شهادتهم (إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) مبالغا فى المغفرة والرحمة لمن يستغفره (وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) أى يخونونها بالمعصية كقوله تعالى (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ) جعلت معصية العصاة خيانة منهم لأنفسهم كما جعلت ظلما لها لرجوع ضررها إليهم والمراد بالموصول إما طعمة وأمثاله وإما هو ومن عاونه وشهد ببراءته من قومه فإنهم شركاء له فى الإثم والخيانة (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً) مفرطا فى الخيانة مصرا عليها (أَثِيماً) منهمكا فيه وتعليق عدم المحبة الذى هو كناية عن البغض والسخط بالمبالغ فى الخيانة والإثم ليس لتخصيصه به بل لبيان إفراط طعمة وقومه فيهما (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ) يستترون منهم حياء وخوفا من ضررهم (وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ) أى لا يستحيون منه سبحانه وتعالى وهو أحق بأن يستحيا منه ويخاف من عقابه (وَهُوَ مَعَهُمْ) عالم بهم وبأحوالهم فلا طريق إلى