(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) (١١٣)
____________________________________
كأنه قيل بهتانا لا يقادر قدره وإثما مبينا على أن وصف الإثم بما ذكر بمنزلة وصف البهتان به لأنهما عبارة عن أمر واحد هو رمى البرىء بجناية نفسه قد عبر عنه بهما تهويلا لأمره وتفظيعا لحاله فمدار العظم والفخامة كون المرمى به للرامى فإن رمى البرىء بجناية ما خطيئة كانت أو إثما بهتان وإثم فى نفسه أما كونه بهتانا فظاهر وأما كونه إثما فلأن كون الذنب بالنسبة إلى من فعله خطيئة لا يلزم منه كونه بالنسبة إلى من نسبه إلى البرىء منه أيضا كذلك بل لا يجوز ذلك قطعا كيف لا وهو كذب محرم فى جميع الأديان فهو فى نفسه بهتان وإثم لا محالة وبكون تلك الجناية للرامى يتضاعف ذلك شدة ويزداد قبحا لكن لا لانضمام جنايته المكسوبة إلى رمى البرىء وإلا لكان الرمى بغير جناية مثله فى العظم ولا لمجرد اشتماله على تبرئة نفسه الخاطئة وإلا لكان الرمى بغير جناية مع تبرئة نفسه كذلك فى العظم بل لاشتماله على قصد تحميل جنايته على البرىء وإجراء عقوبتها عليه كما ينبئ عنه إيثار الاحتمال على الاكتساب ونحوه لما فيه من الإيذان بانعكاس تقديره مع ما فيه من الإشعار بثقل الوزر وصعوبة الأمر نعم بما ذكر من انضمام كسبه وتبرئة نفسه إلى رمى البرىء تزداد الجناية قبحا لكن تلك الزيادة وصف للمجموع لا للإثم (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ) بإعلامك ما هم عليه بالوحى وتنبيهك على الحق وقيل بالنبوة والعصمة (لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ) أى من بنى ظفر وهم الذابون عن طعمة وقد جوز أن يكون المراد بالطائفة كلهم ويكون الضمير راجعا إلى الناس وقيل هم وفد بنى ثقيف قدموا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقالوا جئناك لنبايعك على أن لا تكسر أصنامنا ولا تعشرنا فردهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم (أَنْ يُضِلُّوكَ) أى بأن يضلوك عن القضاء بالحق مع علمهم بكنه الأمر والجملة جواب لو لا وإنما نفى همهم مع أن المنفى إنما هو تأثيره فقط إيذانا بانتفاء تأثيره بالكلية وقيل المراد هو الهم المؤثر ولا ريب فى انتفائه حقيقة وقيل الجواب محذوف أى لأضلوك وقوله تعالى (لَهَمَّتْ) جملة مستأنفة أى لقد همت طائفة الخ (وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) لاقتصار وبال مكرهم عليهم من غير أن يصيبك منه شىء والجملة اعتراض وقوله تعالى (وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ) عطف عليه ومحل الجار والمجرور النصب على المصدرية أى وما يضرونك شيئا من الضرر لما أنه تعالى عاصمك وأما ما خطر ببالك فكان عملا منك بظاهر الحال ثقة بأقوال القائلين من غير أن يخطر ببالك أن الحقيقة على خلاف ذلك (وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) أى القرآن الجامع بين العنوانين وقيل المراد بالحكمة السنة (وَعَلَّمَكَ) بالوحى من خفيات الأمور التى من جملتها وجوه إبطال كيد المنافقين أو من أمور الدين وأحكام الشرع (ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) ذلك إلى وقت التعليم (وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) إذ لا فضل أعظم من النبوة العامة والرياسة التامة.