(الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً(١٣٩) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) (١٤٠)
____________________________________
بشر موضع أنذرتهكما بهم (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ) فى محل النصب أو الرفع على الذم بمعنى أريد بهم الذين أوهم الذين وقيل نصب على أنه صفة للمنافقين وقوله تعالى (مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) حال من فاعل يتخذون أى يتخذون الكفرة أنصارا متجاوزين ولاية المؤمنين وكانوا يوالونهم ويقول بعضهم لبعض لا يتم أمر محمد صلىاللهعليهوسلم فتولوا اليهود (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ) إنكار لرأيهم وإبطال له وبيان لخيبة رجائهم وقطع لأطماعهم الفارغة والجملة معترضة مقررة لما قبلها أى أيطلبون بموالاة الكفرة القوة والغلبة. قال الواحدى أصل العزة الشدة ومنه قيل للأرض الشديدة الصلبة عزاز وقوله تعالى (فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) تعليل لما يفيده الاستفهام الإنكارى من بطلان رأيهم وخيبة رجائهم فإن انحصار جميع أفراد العزة فى جنابه عز وعلا بحيث لا ينالها إلا أولياؤه الذين كتب لهم العزة والغلبة قال تعالى (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) يقضى ببطلان التعزز بغيره سبحانه وتعالى واستحالة الانتفاع به وقيل هو جواب شرط محذوف كأنه قيل إن يبتغوا عندهم عزة فإن العزة لله وجميعا حال من المستكن فى قوله تعالى لله لاعتماده على المبتدأ (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ) خطاب للمنافقين بطريق الالتفات مفيد لتشديد التوبيخ الذى يستدعيه تعداد جناياتهم وقرىء مبنيا للمفعول من التنزيل والإنزال ونزل أيضا مخففا والجملة حال من ضمير يتخذون أيضا مفيدة لكمال قباحة حالهم ونهاية استعصائهم عليه سبحانه ببيان أنهم فعلوا ما فعلوا من موالاة الكفرة مع تحقق ما يمنعهم من ذلك وهو ورود النهى الصريح عن مجالستهم المستلزم للنهى عن موالاتهم على أبلغ وجه وآكده إثر بيان انتفاء ما يدعوهم إليه بالجملة المعترضة كأنه قيل تتخذونهم أولياء والحال أنه تعالى قد نزل عليكم قبل هذا بمكة (فِي الْكِتابِ) أى القرآن الكريم (أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) وذلك قوله تعالى (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) الآية وهذا يقتضى الانزجار عن مجالستهم فى تلك الحالة القبيحة فكيف بموالاتهم والاعتزاز بهم وأن هى المخففة من أن وضمير الشأن الذى هو اسمها محذوف والجملة الشرطية خبرها وقوله تعالى (يُكْفَرُ بِها) حال من آيات الله وقوله تعالى (وَيُسْتَهْزَأُ بِها) عطف عليه داخل فى حكم الحالية وإضافة الآيات إلى الاسم الجليل لتشريفها وإبانة خطرها وتهويل أمر الكفر بها أى نزل عليكم فى الكتاب أنه إذا سمعتم آيات الله مكفورا بها ومستهزأ بها وفيه دلالة على أن المنزل على النبى صلىاللهعليهوسلم وإن خوطب به خاصة منزل على الأمة وأن مدار الإعراض عنهم هو العلم بخوضهم فى الآيات ولذلك عبر عن ذلك تارة بالرؤية