(مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (١٤٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً) (١٤٤)
____________________________________
آخر من قبائح أعمالهم أى يفعلون ما يفعل المخادع من إظهار الإيمان وإبطان نقيضه والله فاعل بهم ما يفعل الغالب فى الخداع حيث تركهم فى الدنيا معصومى الدماء والأموال وأعدلهم فى الآخرة الدرك الأسفل من النار وقد مر التحقيق فى صدر سورة البقرة وقيل يعطون على الصراط نورا كما يعطى المؤمنون فيمضون بنورهم ثم يطفأ نورهم ويبقى نور المؤمنين فينادون انظرونا نقتبس من نوركم (وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى) متثاقلين كالمكره على الفعل وقرىء بفتح الكاف وهما جمعا كسلان (يُراؤُنَ النَّاسَ) ليحسبوهم مؤمنين والمراءاة مفاعلة بمعنى التفعيل كنعم وناعم أو للمقابلة فإن المرائى يرى غيره عمله وهو يريه استحسانه والجملة إما استئناف مبنى على سؤال نشأ من الكلام كأنه قيل فما ذا يريدون بقيامهم إليها كسالى فقيل يراءون الخ أو حال من ضمير قاموا (وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً) عطف على يراءون أى لا يذكرونه سبحانه إلا ذكرا قليلا وهو ذكرهم باللسان فإنه بالإضافة إلى الذكر بالقلب قليل أو إلا زمانا قليلا أو لا يصلون إلا قليلا لأنهم لا يصلون إلا بمرأى من الناس وذلك قليل وقيل لا يذكرونه تعالى فى الصلاة إلا قليلا عند التكبير والتسليم (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ) حال من فاعل يراءون أو منصوب على الذم وذلك إشارة إلى الإيمان والكفر المدلول عليهما بمعونة المقام أى مرددين بينهما متحيرين قد ذبذبهم الشيطان وحقيقة المذبذب ما يذب ويدفع عن كلا الجانبين مرة بعد أخرى وقرىء بكسر الذال أى مذبذبين قلوبهم أو رأيهم أو دينهم أو هو بمعنى متذبذبين كما جاء صلصل بمعنى تصلصل وفى مصحف ابن مسعود رضى الله عنه متذبذبين وقرىء مدبدبين بالدال غير المعجمة وكأن المعنى أخذ بهم تارة فى دبة أى طريقة وأخرى فى أخرى (لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ) أى لا منسوبين إلى المؤمنين ولا منسوبين إلى الكافرين أو لا صائرين إلى الأولين ولا إلى الآخرين فمحله النصب على أنه حال من ضمير مذبذبين أو على أنه بدل منه أو بيان وتفسير له (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) لعدم استعداده للهداية والتوفيق (فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) موصلا إلى الحق والصواب فضلا عن أن تهديه إليه والخطاب لكل من يصلح له كائنا من كان (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) نهوا عن موالاة الكفرة صريحا وإن كان فى بيان حال المنافقين مزجرة عن ذلك مبالغة فى الزجر والتحذير (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً) أى أتريدون بذلك أن تجعلوا لله عليكم حجة بينة على أنكم منافقون فإن موالاتهم أوضح أدلة النفاق أو سلطانا يسلط عليكم عقابه وتوجيه الإنكار إلى الإرادة دون متعلقها بأن يقال أتجعلون الخ للمبالغة فى إنكاره وتهويل أمره ببيان أنه مما لا يصدر عن العاقل إرادته فضلا عن صدور نفسه كما فى قوله عزوجل (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ).