(فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً (١٦٠) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦١) لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً) (١٦٢)
____________________________________
حتى ترتع الأسود مع الإبل والنمور مع البقر والذئاب مع الغنم ويلعب الصبيان بالحيات ويلبث فى الأرض أربعين سنة ثم يتوفى ويصلى عليه المسلمون ويدفنونه وقيل الضمير الأول يرجع إلى الله تعالى وقيل إلى محمدصلىاللهعليهوسلم (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ) أى عيسى عليهالسلام (عَلَيْهِمْ) على أهل الكتاب (شَهِيداً) فيشهد على اليهود بالتكذيب وعلى النصارى بأنهم دعوه ابن الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا) لعل ذكرهم بهذا العنوان للإيذان بكمال عظم ظلمهم بتذكير وقوعه بعد ما هادوا أى تابوا من عبادة العجل مثل تلك التوبة الهائلة المشروطة ببخع النفوس إثر بيان عظمه فى حد ذاته بالتنوين التفخيمى أى بسبب ظلم عظيم خارج عن حدود الأشباه والأشكال صادر عنهم (حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) ولمن قبلهم لا بشىء غيره كما زعموا فإنهم كانوا كلما ارتكبوا معصية من المعاصى التى اقترفوها يحرم عليهم نوع من الطيبات التى كانت محللة لهم ولمن تقدمهم من أسلافهم عقوبة لهم وكانوا مع ذلك يفترون على الله سبحانه ويقولون لسنا بأول من حرمت عليه وإنما كانت على نوح وإبراهيم ومن بعدهما حتى انتهى الأمر إلينا فكذبهم الله عزوجل فى مواقع كثيرة وبكتهم بقوله تعالى (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أى فى ادعائكم أنه تحريم قديم. روى أنه عليهالسلام لما كلفهم إخراج التوراة لم يجسر أحد على إخراجها لما أن كون التحريم بظلمهم كان مسطورا فيها فبهتوا وانقلبوا صاغرين (وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً) أى ناسا كثيرا أو صدا كثيرا (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ) فإن الربا كان محرما عليهم كما هو محرم علينا وفيه دليل على أن النهى يدل على حرمة المنهى عنه (وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ) بالرشوة وسائر الوجوه المحرمة (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ) أى للمصرين على الكفر لا لمن تاب وآمن من بينهم (عَذاباً أَلِيماً) سيذوقونه فى الآخرة كما ذاقوا فى الدنيا عقوبة التحريم (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ) استدراك من قوله تعالى (وَأَعْتَدْنا) الخ وبيان لكون بعضهم على خلاف حالهم عاجلا وآجلا أى لكن الثابتون فى العلم منهم المتقنون المستبصرون فيه غير التابعين للظن كأولئك الجهلة والمراد بهم عبد الله بن سلام وأصحابه (وَالْمُؤْمِنُونَ) أى منهم وصفوا بالإيمان بعد ما وصفوا بما يوجبه من الرسوخ فى العلم بطريق العطف المنبئ عن المغايرة بين المعطوفين تنزيلا للاختلاف العنوانى منزلة الاختلاف الذاتى وقوله تعالى (يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) حال من المؤمنون مبينة لكيفية إيمانهم وقيل اعتراض مؤكد لما قبله وقوله عزوجل (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) قيل نصب بإضمار