(وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) (١٦٤)
____________________________________
حال من ذلك المصدر المقدر معرفا كما هو رأى سيبويه أى أوحينا الإيحاء حال كونه مشبها بإيحائنا الخ ومن بعده متعلق بأوحينا وإنما بدىء بذكر نوح لأنه أبو البشر وأول نبى شرع الله تعالى على لسانه الشرائع والأحكام وأول نبى عذبت أمته لردهم دعوته وقد أهلك الله بدعائه أهل الأرض (وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ) عطف على أوحينا إلى نوح داخل معه فى حكم التشبيه أى وكما أوحينا إلى إبراهيم (وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ) وهم أولاد يعقوب عليهمالسلام (وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ) خصوا بالذكر مع ظهور انتظامهم فى سلك النبيين تشريفا لهم وإظهارا لفضلهم كما فى قوله تعالى (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) وتصريحا بمن ينتمى إليهم اليهود من الأنبياء وتكرير الفعل لمزيد تقرير الإيحاء والتنبيه على أنهم طائفة خاصة مستقلة بنوع مخصوص من الوحى (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) قال القرطبى كان فيه مائة وخمسون سورة ليس فيها حكم من الأحكام وإنما هى حكم ومواعظ وتحميد وتمجيد وثناء على الله تعالى وقرىء بضم الزاء وهو جمع زبر بمعنى مزبور والجملة عطف على أوحينا داخل فى حكمه لأن إيتاء الزبور من باب الإيحاء أى وكما آتينا داود زبورا وإيثاره على وأوحينا إلى داود لتحقيق المماثلة فى أمر خاص هو إيتاء الكتاب بعد تحقيقها فى مطلق الإيحاء ثم أشير إلى تحقيقها فى أمر لازم لهما لزوما كليا وهو الإرسال فإن قوله تعالى (وَرُسُلاً) نصب بمضمر يدل عليه أوحينا معطوف عليه داخل معه فى حكم التشبيه كما قبله أى وكما أرسلنا رسلا لا بما يفسره قوله تعالى (قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ) أى وقصصنا رسلا كما قالوا وفرعوا عليه أن قوله تعالى (قَدْ قَصَصْناهُمْ) على الوجه الأول منصوب على أنه صفة لرسلا وعلى الوجه الثانى لا محل له من الإعراب فإنه مما لا سبيل إليه كما ستقف عليه وقرىء برفع رسل وقوله تعالى (مِنْ قَبْلُ) متعلق بقصصنا أى قصصنا من قبل هذه السورة أو اليوم (وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) عطف على رسلا منصوب بناصبه وقيل كلاهما منصوب بنزع الخافض والتقدير كما أوحينا إلى نوح وإلى رسل الخ. والحق أن يكون انتصابهما بأرسلنا فإن فيه تحقيقا للمماثلة بين شأنه عليه الصلاة والسلام وبين شئوون من يعترفون بنبوته من الأنبياء عليهمالسلام فى مطلق الإيحاء ثم فى إيتاء الكتاب ثم فى الإرسال فإن قوله تعالى (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) منتظم لمعنى آتيناك وأرسلناك حتما كأنه قيل إنا أوحينا إليك إيحاء مثل ما أوحينا إلى نوح ومثل ما أوحينا إلى إبراهيم ومن بعده وآتيناك الفرقان إيتاء مثل ما آتينا داود ذبورا وأرسلناك إرسالا مثل ما أرسلنا رسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا آخرين لم نقصصهم عليك من غير تفاوت بينك وبينهم فى حقيقة الإيحاء وأصل الإرسال فما للكفرة يسألونك شيئا لم يعطه أحد من هؤلاء الرسل عليهمالسلام ومن ههنا اتضح أن رسلا لا يمكن نصبه بقصصنا فإن ناصبه يجب أن يكون معطوفا على أوحينا داخلا معه فى حكم التشبيه الذى عليه يدور فلك الاحتجاج على الكفرة ولا ريب فى أن قصصنا لا تعلق له بشىء من الإيحاء والإيتاء حتى يمكن اعتباره فى ضمن