(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٧٣) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) (١٧٤)
____________________________________
بظهور اقتضاء حشر أحدهما لحشر الآخر ضرورة عموم الحشر للخلائق كافة كما ترك ذكر أحد الفريقين فى التفصيل عند قوله تعالى (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ) الآية مع عموم الخطاب لهما اعتمادا على ظهور اقتضاء إثابة أحدهما لعقاب الآخر ضرورة شمول الجزاء للكل وقيل الضمير للمستنكفين وهناك مقدر معطوف عليه والتقدير فسيحشرهم وغيرهم وقيل المعنى فسيحشرهم إليه يوم يحشر العباد لمجازاتهم وفيه إن الأنسب بالتفصيل الآتى اعتبار حشر الكل فى الإجمال على نهج واحد وقرىء فسيحشرهم بكسر الشين وهى لغة وقرىء فسنحشرهم بنون العظمة بطريق الالتفات (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) بيان لحال الفريق المطوى ذكره فى الإجمال قدم على بيان حال ما يقابله إبانة لفضله ومسارعة إلى بيان كون حشره أيضا معتبرا فى الإجمال وإيراده بعنوان الإيمان والعمل الصالح لا بوصف عدم الاستنكاف المناسب لما قبله وما بعده للتنبيه على أنه المستتبع لما يعقبه من الثمرات (فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ) من غير أن ينقص منها شيئا أصلا (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) بتضعيفها أضعافا مضاعفة وبإعطاء ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر (وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا) أى عن عبادته عزوجل (وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ) بسبب استنكافهم واستكبارهم (عَذاباً أَلِيماً) لا يحيط به الوصف (وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا) يلى أمورهم ويدبر مصالحهم (وَلا نَصِيراً) بنصرهم من بأسه تعالى وينجيهم من عذابه (يا أَيُّهَا النَّاسُ) تلوين للخطاب وتوجيه له إلى كافة المكلفين إثر بيان بطلان ما عليه الكفرة من فنون الكفر والضلال وإلزامهم بالبراهين القاطعة التى تخر لهاصم الجبال وإزاحة شبههم الواهية بالبينات الواضحة وتنبيه لهم على أن الحجة قد تمت فلم يبق بعد ذلك علة لمتعلل ولا عذر لمتعذر (قَدْ جاءَكُمْ) أى وصل إليكم وتقرر فى قلوبكم بحيث لا سبيل لكم إلى الإنكار (بُرْهانٌ) البرهان ما يبرهن به على المطلوب والمراد به القرآن الدال على صحة نبوة النبى صلىاللهعليهوسلم المثبت لما فيه من الأحكام التى من جملتها ما أشير إليه مما أثبتته الآيات الكريمة من حقية الحق وبطلان الباطل وروى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن النبى صلىاللهعليهوسلم عبر عنه به لما معه من المعجزات التى تشهد بصدقه وقيل هو المعجزات التى أظهرها وقيل هو دين الحق الذى أتى به وقوله تعالى (مِنْ رَبِّكُمْ) إما متعلق بجاءكم أو بمحذوف وقع صفة مشرفة لبرهان مؤكدة لما أفاده التنوين من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية أى كائن منه تعالى على أن من لابتداء الغاية مجازا وقد جوز على الثانى كونها تبعيضية بحذف المضاف أى كائن من براهين ربكم والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضمير المخاطبين لإظهار اللطف بهم والإيذان بأن مجيئه إليهم لتربيتهم وتكميلهم (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) أريد به أيضا القرآن الكريم عبر عنه تارة بالبرهان لما أشير إليه آنفا وأخرى بالنور النير بنفسه المنور لغيره إيذانا