(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً (١٧٥) يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (١٧٦)
____________________________________
بأنه بين بنفسه مستغن فى ثبوت حقيته وكونه من عند الله تعالى بإعجازه غير محتاج إلى غيره مبين لغيره من الأمور المذكورة وإشعارا بهدايته للخلق وإخراجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان وقد سلك به مسلك العطف المبنى على تغاير الطرفين تنزيلا للمغايرة العنوانية منزلة المغايرة الذاتية وعبر عن ملابسته للمخاطبين تارة بالمجىء المسند إليه المنبئ عن كمال قوته فى البرهانية كأنه يجىء بنفسه فيثبت أحكامه من غير أن يجىء به أحد ويجىء على شبه الكفرة بالإبطال وأخرى بالإنزال الموقع عليه الملائم لحيثية كونه نورا توقيرا له باعتبار كل واحد من عنوانيه حظه اللائق به وإسناد إنزاله إليه تعالى بطريق الالتفات لكمال تشريفه هذا على تقدير كون البرهان عبارة عن القرآن العظيم وأما على تقدير كونه عبارة عن الرسول صلىاللهعليهوسلم أو عن المعجزات الظاهرة على يده أو عن الدين الحق فالأمرهين وقوله تعالى (إِلَيْكُمْ) متعلق ب (أَنْزَلْنا) فإن أنزاله بالذات وإن كان إلى النبى صلىاللهعليهوسلم لكنه منزل إليهم أيضا بواسطته عليه الصلاة والسلام وإنما اعتبر حاله بالواسطة دون حاله بالذات كما فى قوله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ) ونظائره لإظهار كمال اللطف بهم والتصريح بوصوله إليهم مبالغا فى الأعذار وتقديمه على المفعول الصريح مع أن حقه التأخر عنه لما مر غير مرة من الاهتمام بما قدم والتشويق إلى ما أخر وللمحافظة على فواصل الآى الكريمة (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ) حسبما يوجبه البرهان الذى أتاهم (وَاعْتَصَمُوا بِهِ) أى عصموا به أنفسهم مما يرديها من زيغ الشيطان وغيره (فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ) قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما هى الجنة وما يتفضل عليهم مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وعبر عن إفاضة الفضل بالإدخال على طريقة قوله [علفتها تبنا وماء باردا] وتنوين رحمة وفضل تفخيمى ومنه متعلق بمحذوف وقع صفة مشرفة لرحمة (وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ) أى إلى الله عزوجل وقيل إلى الموعود وقيل إلى عبادته (صِراطاً مُسْتَقِيماً) هو الإسلام والطاعة فى الدنيا وطريق الجنة فى الآخرة وتقديم ذكر الوعد بإدخال الجنة على الوعد بالهداية إليها على خلاف الترتيب فى الوجود بين الموعودين للمسارعة إلى التبشير بما هو المقصد الأصلى قيل انتصاب صراطا على أنه مفعول لفعل محذوف ينبئ عنه يهديهم أى يعرفهم صراطا مستقيما (يَسْتَفْتُونَكَ) أى فى الكلالة استغنى عن ذكره بوروده فى قوله تعالى (قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) وقد مر تفسيرها فى مطلع السورة الكريمة والمستفتى جابر بن عبد الله رضى الله تعالى عنه يروى