(إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٥) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٦)
____________________________________
ومؤكد له (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) استئناف كلام سيق لبيان سعة علمه تعالى وإحاطته بجميع ما فى العالم من الأشياء التى من جملتها ما صدر عنهم من الكفر والفسوق سرا وجهرا إثر بيان كمال قدرته وعزته تربية لما قبله من الوعيد وتنبيها على أن الوقوف على بعض المغيبات كما كان فى عيسى عليهالسلام بمعزل من بلوغ رتبة الصفات الإلهية وإنما عبر عن علمه عزوجل بما ذكر بعدم خفائه عليه كما فى قوله سبحانه وما يخفى على الله من شىء فى الأرض ولا فى السماء إيذانا بأن علمه تعالى بمعلوماته وإن كانت فى أقصى الغايات الخفية ليس من شأنه أن يكون على وجه يمكن أن يقارنه شائبة خفاء بوجه من الوجوه كما فى علوم المخلوقين بل هو فى غاية الوضوح والجلاء والجملة المنفية خبر لإن وتكرير الإسناد لتقوية الحكم وكلمة فى متعلقة بمحذوف وقع صفة لشىء مؤكدة لعمومه المستفاد من وقوعه فى سياق النفى أى لا يخفى عليه شىء ما كائن فى الأرض ولا فى السماء أعم من أن يكون ذلك بطريق الاستقرار فيهما أو الجزئية منهما وقيل متعلقة بيخفى وإنما عبر بهما عن كل العالم لأنهما قطراه وتقديم الأرض على السماء لإظهار الاعتناء بشأن أحوال أهلها وتوسيط حرف النفى بينهما للدلالة على الترقى من الأدنى إلى الأعلى باعتبار القرب والبعد منا المستدعيين للتفاوت بالنسبة إلى علومنا وقوله عزوجل (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ) جملة مستأنفة ناطقة ببعض أحكام قيوميته تعالى وجريان أحوال الخلق فى أطوار الوجود حسب مشيئته المبنية على الحكم البالغة مقررة لكمال علمه مع زيادة بيان لتعلقه بالأشياء قبل دخولها تحت الوجود ضرورة وجوب علمه تعالى بالصور المختلفة المترتبة على التصوير المترتب على المشيئة قبل تحققها بمراتب وكلمة فى متعلقة بيصوركم أو بمحذوف وقع حالا من ضمير المفعول أى يصوركم وأنتم فى الأرحام مضغ وكيف معمول ليشاء والجملة فى محل النصب على الحالية إما من فاعل يصوركم أى يصوركم كائنا على مشيئته تعالى أى مريدا أو من مفعوله أى يصوركم كائنين على مشيئته تعالى تابعين لها فى قبول الأحوال المتغايرة من كونكم نطفا ثم علقا ثم مضغا غير مخلقة ثم مخلقة وفى الإتصاف بالصفات المختلفة من الذكورة والأنوثة والحسن والقبح وغير ذلك من الصفات وفيه من الدلالة على بطلان زعم من زعم ربوبية عيسى عليهالسلام وهو من جملة أبناء النواسيت المتقلبين فى هذه الأطوار على مشيئة البارى عزوجل وكمال ركاكة عقولهم ما لا يخفى وقرىء تصوركم على صيغة الماضى من التفعل أى صوركم لنفسه وعبادته (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) إذ لا يتصف بشىء مما ذكر من الشئون العظيمة الخاصة بالألوهية أحد ليتوهم ألوهيته (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) المتناهى فى القدرة والحكمة ولذلك يخلقكم على ما ذكر من النمط البديع