(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ) (٩٨)
____________________________________
الإفضاء والإيصال كيف لا وهو عبارة عن الوسيلة من مال أو غيره فإنه قد روى أنس بن مالك عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال السبيل الزاد والراحلة وروى ابن عمر رضى الله عنهما أن رجلا قال يا رسول الله ما السبيل قال الزاد والراحلة وهو المراد بما روى أنه عليهالسلام فسر الاستطاعة بالزاد والراحلة وهكذا روى عن ابن عباس وابن عمر رضى الله عنهم وعليه أكثر العلماء خلا أن الشافعى أخذ بظاهره فأوجب الاستنابة على الزمن القادر على أجرة من ينوب عنه والظاهر أن عدم تعرضه عليهالسلام لصحة البدن لظهور الأمر كيف لا والمفسر فى الحقيقة هو السبيل الموصل لنفس المستطيع إلى البيت وذا لا يتصور بدون الصحة وعن ابن الزبير أنه على قدر القوة ومذهب مالك أن الرجل إذا وثق بقوته لزمه وعنه ذلك على قدر الطاقة وقد يجد الزاد والراحلة من لا يقدر على السفر وقد يقدر عليه من لا راحلة له ولا زاد وعن الضحاك أنه إذا قدر أن يؤجر نفسه فهو مستطيع (وَمَنْ كَفَرَ) وضع من كفر موضع من لم يحج تأكيدا لوجوبه وتشديدا على تاركه ولذلك قال عليهالسلام من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا وروى عن على بن أبى طالب رضى الله عنه أنه عليهالسلام قال فى خطبته أيها الناس إن الله فرض الحج على من استطاع إليه سبيلا ومن لم يفعل فليمت على أى حال شاء يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا (فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) وعن عبادتهم وحيث كان من كفر من جملتهم داخلا فيها دخولا أوليا اكتفى بذلك عن الضمير الرابط بين الشرط والجزاء ولقد حازت الآية الكريمة من فنون الاعتبارات المعربة عن كمال الاعتناء بأمر الحج والتشديد على تاركه ما لا مزيد عليه حيث أوثرت صيغة الخبر الدالة على التحقق أو برزت فى صورة الجملة الاسمية الدالة على الثبات والاستمرار على وجه يفيد أنه حق واجب لله سبحانه فى ذمم الناس لا انفكاك لهم عن أدائه والخروج عن عهدته وسلك بهم مسلك التعميم ثم التخصيص والإبهام ثم التبيين والإجمال ثم التفصيل لما فى ذلك من مزيد تحقيق وتقرير وعبر عن تركه بالكفر الذى لا قبيح وراءه وجعل جزاءه استغناءه تعالى المؤذن بشدة المقت وعظم السخط لا عن تاركه فقط فإنه قد ضرب عنه صفحا إسقاطا له عن درجة الاعتبار واستهجانا بذكره بل عن جميع العالمين ممن فعل وترك ليدل على نهاية شدة الغضب. هذا وقال ابن عباس والحسن وعطاء رضى الله عنهم ومن كفر أى جحد فرض الحج وزعم أنه ليس بواجب وعن سعيد بن المسيب نزلت فى اليهود فإنهم قالوا الحج إلى مكة غير واجب وروى أنه لما نزل قوله تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) جمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم أهل الأديان كلهم فخطبهم فقال إن الله كتب عليكم الحج فحجوا فآمنت به ملة واحدة وهم المسلمون وكفرت به خمس ملل قالوا لا نؤمن به ولا نصلى إليه ولا نحجه فنزل ومن كفر وعن النبى صلىاللهعليهوسلم حجوا قبل أن لا تحجوا فإنه قد هدم البيت مرتين ويرفع إلى السماء فى الثالثة وروى حجوا قبل أن يمنع البر جانبه وعن ابن مسعود حجوا هذا البيت قبل أن ينبت فى البادية شجرة لا تأكل منها دابة إلا نفقت وعن عمر رضى الله عنه لو ترك الناس الحج عاما واحدا ما نوظروا (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ) هم اليهود والنصارى