(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَداءُ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (٩٩)
____________________________________
وإنما خوطبوا بعنوان أهلية الكتاب الموجبة للإيمان به وبما يصدقه من القرآن العظيم مبالغة فى تقبيح حالهم فى كفرهم بها وقوله عزوجل (لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) توبيخ وإنكار لأن يكون لكفرهم بها سبب من الأسباب وتحقيق لما يوجب الاجتناب عنه بالكلية والمراد بآياته تعالى ما يعم الآيات القرآنية التى من جملتها ما تلى فى شأن الحج وغيره وما فى التوراة والإنجيل من شواهد نبوته عليهالسلام وقوله تعالى (وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ) حال من فاعل تكفرون مفيدة لتشديد التوبيخ وتأكيد الإنكار وإظهار الجلالة فى موقع الإضمار لتربية المهابة وتهويل الخطب وصيغة المبالغة فى شهيد للتشديد فى الوعيد وكلمة ما إما عبارة عن كفرهم أو هى على عمومها وهو داخل فيها دخولا أوليا والمعنى لأى سبب تكفرون بآياته عزوجل والحال أنه تعالى مبالغ فى الاطلاع على جميع أعمالكم وفى مجازاتكم عليها ولا ريب فى أن ذلك يسد جميع أنحاء ما تأتونه ويقطع أسبابه بالكلية (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ) أمر بتوبيخهم بالإضلال إثر توبيخهم بالضلال والتكرير للمبالغة فى حمله عليهالسلام على تقريعهم وتوبيخهم وترك عطفه على الأمر السابق للإيذان باستقلالهم كما أن قطع قوله تعالى (لِمَ تَصُدُّونَ) عن قوله تعالى (لِمَ تَكْفُرُونَ) للإشعار بأن كل واحد من كفرهم وصدهم شناعة على حيالها مستقلة فى استتباع اللائمة والتقريع وتكرير الخطاب بعنوان أهلية الكتاب لتأكيد الاستقلال وتشديد التشنيع فإن ذلك العنوان كما يستدعى الإيمان بما هو مصدق لما معهم يستدعى ترغيب الناس فيه فصدهم عنه فى أقصى مراتب القباحة ولكون صدهم فى بعض الصور بتحريف الكتاب والكفر بالآيات الدالة على نبوته عليهالسلام وقرىء تصدون من أصده (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أى دينه الحق الموصل إلى السعادة الأبدية وهو التوحيد وملة الإسلام (مَنْ آمَنَ) مفعول لتصدون قدم عليه الجار والمجرور للاهتمام به. كانوا يفتنون المؤمنين ويحتالون لصدهم عنه ويمنعون من أراد الدخول فيه بجهدهم ويقولون إن صفته عليهالسلام ليست فى كتابهم ولا تقدمت البشارة به عندهم وقيل أنت اليهود الأوس والخزرج فدكروهم ما كان بينهم فى الجاهلية من العداوات والحروب ليعودوا إلى ما كانوا فيه (تَبْغُونَها) على إسقاط الجار وإيصال الفعل إلى الضمير كما فى قوله[فتولى غلامهم ثم نادى أظليما أصيدكم أم حمارا] بمعنى أصيد لكم أى تطلبون لسبيل الله التى هى أقوم السبل (عِوَجاً) اعوجاجا بأن تلبسوا على الناس وتوهموا أن فيه ميلا عن الحق بنفى النسخ وتغيير صفة الرسول صلىاللهعليهوسلم عن وجهها ونحو ذلك والجملة حال من فاعل تصدون وقيل من سبيل الله (وَأَنْتُمْ شُهَداءُ) حال من فاعل تصدون باعتبار تقييده بالحال الأولى أو من فاعل تبغونها أى والحال أنكم شهداء تشهدون بأنها سبيل الله لا يحوم حولها شائبة اعوجاج وأن الصد عنها إضلال قال ابن عباس رضى الله عنهما أى شهداء أن فى التوراة أن دين الله الذى لا يقبل غيره هو الإسلام أو وأنتم عدول فيما بينكم يثقون بأقوالكم ويستشهدونكم فى القضايا