(وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٠١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (١٠٢)
____________________________________
(وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ) استفهام إنكارى بمعنى إنكار الوقوع كما فى قوله تعالى (كَيْفَ) يكون للمشركين عهد الخ لا بمعنى إنكار الواقع كما فى قوله تعالى (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) الخ وفى توجيه الإنكار والاستبعاد إلى كيفية الكفر من المبالغة ما ليس فى توجيهه إلى نفسه بأن يقال أتكفرون لأن كل موجود لابد أن يكون وجوده على حال من الأحوال فإذا أنكر ونفى جميع أحوال وجوده فقد انتفى وجوده بالكلية على الطريق البرهانى وقوله تعالى (وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ) جملة وقعت حالا من ضمير المخاطبين فى تكفرون مؤكدة للإنكار والاستبعاد بما فيها من الشئون الداعية إلى الثبات على الإيمان الوازعة عن الكفر وقوله تعالى (وَفِيكُمْ رَسُولُهُ) معطوف عليها داخل فى حكمها فإن تلاوة آيات الله تعالى عليهم وكون رسوله عليه الصلاة والسلام بين أظهرهم يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم بتحقيق الحق وإزاحة الشبه من أقوى الزواجر عن الكفر وعدم إسناد التلاوة إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم للإيذان باستقلال كل منهما فى الباب (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ) أى ومن يتمسك بدينه الحق الذى بينه بآياته على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام وهو الإسلام والتوحيد المعبر عنه فيما نسبق بسبيل الله (فَقَدْ هُدِيَ) جواب للشرط وقد لإفادة معنى التحقيق كأن الهدى قد حصل فهو يخبر عنه حاصلا ومعنى التوقع فيه ظاهر فإن المعتصم به تعالى متوقع للهدى كما أن قاصد الكريم متوقع للندى (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) موصل إلى المطلوب والتنوين للتفخيم والوصف بالاستقامة للتصريح بالرد على الذين يبغون له عوجا وهذا وإن كان هو دينه الحق فى الحقيقة والاهتداء إليه هو الاعتصام به بعينه لكن لما اختلف الاعتباران وكان العنوان الأخير مما يتنافس فيه المتنافسون أبرز فى معرض الجواب للحث والترغيب على طريقة قوله تعالى (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) تكرير الخطاب بعنوان الإيمان تشريف إثر تشريف (اتَّقُوا اللهَ) الاتقاء افتعال من الوقاية وهى فرط الصيانة (حَقَّ تُقاتِهِ) أى حق تقواه وما يجب منها وهو استفراغ الوسع فى القيام بالموجب والاجتناب عن المحارم كما فى قوله تعالى (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وعن ابن مسعود رضى الله عنه هو أن يطاع ولا يعصى ويذكر ولا ينسى ويشكر ولا يكفر وقد روى مرفوعا إليه عليهالسلام وقيل هو أن لا تأخذه فى الله لومة لائم ويقوم بالقسط ولو على نفسه أو ابنه أو أبيه وقيل هو أن ينزه الطاعة عن الالتفات إليها وعن توقع المجازاة وقد مر تحقيق الحق فى ذلك عند قوله عزوجل (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) والتقاة من اتقى كالتؤدة من اتأدو أصلها وقية قلبت واوها المضمومة تاء كما فى تهمة وتخمة وياؤها المفتوحة ألفا (وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) أى مخلصون نفوسكم