(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (١٠٣)
____________________________________
لله تعالى لا تجعلون فيها شركة لما سواه أصلا كما فى قوله تعالى (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) وهو استثناء مفرغ من أعم الأحوال أى لا تموتن على حال من الأحوال إلا حال تحقق إسلامكم وثباتكم عليه كما ينبئ عنه الجملة الاسمية ولو قيل إلا مسلمين لم يفد فائدتها والعامل فى الحال ما قبل إلا بعد النقض وظاهر النظم الكريم وإن كان نهيا عن الموت المقيد بقيد هو الكون على أى حال من غير حال الإسلام لكن المقصود هو النهى عن ذلك القيد عند الموت المستلزم للأمر بضده الذى هو الكون على حال الإسلام حينئذ وحيث كان الخطاب للمؤمنين كان المراد إيجاب الثبات على الإسلام إلى الموت وتوجيهه النهى إلى الموت للمبالغة فى النهى عن قيده المذكور فإن النهى عن المقيد فى أمثاله نهى عن القيد ورفع له من أصله بالكلية مفيد لما لا يفيده النهى عن نفس القيد فإن قولك لا تصل إلا وأنت خاشع يفيد من المبالغة فى إيجاب الخشوع فى الصلاة ما لا يفيده قولك لا تترك الخشوع فى الصلاة لما أن هذا نهى عن ترك الخشوع فقط وذاك نهى عنه وعما يقارنه ومفيد لكون الخشوع هو العمدة فى الصلاة وأن الصلاة بدونه حقها أن لا تفعل وفيه نوع تحذير عما وراء الموت وقوله عزوجل (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ) أى بدين الإسلام أو بكتابه لقوله عليه الصلاة والسلام القرآن حبل الله المتين لا تنقضى عجائبه ولا يخلق من كثرة الرد من قال به صدق ومن عمل به رشد ومن اعتصم به هدى إلى صراط مستقيم إما تمثيل للحالة الحاصلة من استظهارهم به ووثوقهم بحمايته بالحالة الحاصلة من تمسك المتدلى من مكان رفيع بحبل وثيق مأمون الانقطاع من غير اعتبار مجاز فى المفردات وإما استعارة للحبل لما ذكر من الدين أو الكتاب والاعتصام ترشيح لها أو مستعار للوثوق به والاعتماد عليه (جَمِيعاً) حال من فاعل اعتصموا أى مجتمعين فى الاعتصام (وَلا تَفَرَّقُوا) أى لا تتفرقوا عن الحق بوقوع الاختلاف بينكم كأهل الكتاب أو كما كنتم متفرقين فى الجاهلية يحارب بعضكم بعضا أو لا تحدثوا ما يوجب التفريق ويزيل الألفة التى أنتم عليها (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ) مصدر مضاف إلى الفاعل وقوله تعالى (عَلَيْكُمْ) متعلق به أو بمحذوف وقع حالا منه وقوله تعالى (إِذْ كُنْتُمْ) ظرف له أو للاستقرار فى عليكم أى اذكروا إنعامه عليكم أو اذكروا إنعامه مستقرا عليكم وقت كونكم (أَعْداءً) فى الجاهلية بينكم الإحن والعداوات والحروب المتواصلة وقيل هم الأوس والخزرج كانا أخوين لأب وأم فوقعت بين أولادهما العداوة والبغضاء وتطاولت الحروب فيما بينهم مائة وعشرين سنة (فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ) بتوفيقكم للإسلام (فَأَصْبَحْتُمْ) أى فصرتم (بِنِعْمَتِهِ) التى هى ذلك التأليف (إِخْواناً) خبر أصبحتم أى إخوانا متحابين مجتمعين على الأخوة فى الله متراحمين متناصحين متفقين على كلمة الحق وقيل معنى فأصبحتم فدخلتم فى الصباح فالباء حينئذ متعلقة بمحذوف وقع حالا من الفاعل وكذا إخوانا أى فأصبحتم