(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١٠٥)
____________________________________
وإما للقصد إلى إيجاد نفس الفعل كما فى قولك فلان يعطى ويمنع أى يفعلون الدعاء إلى الخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر (وَأُولئِكَ) إشارة إلى الأمة المذكورة باعتبار اتصافهم بما ذكر من النعوت الفاضلة وكمال تميزهم بذلك عمن عداهم وانتظامهم بسببه فى سلك الأمور المشاهدة وما فيه من معنى البعد للإشعار بعلو طبقتهم وبعد منزلتهم فى الفضل والإفراد فى كاف الخطاب إما لأن المخاطب كل من يصلح للخطاب وإما لأن التعيين غير مقصود أى أولئك الموصوفون بتلك الصفات الكاملة (هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أى هم الأخصاء بكمال الفلاح وهم ضمير فصل يفصل بين الخبر والصفة ويؤكد النسبة ويفيد اختصاص المسند بالمسند إليه أو مبتدأ خبره المفلحون والجملة خبر لأولئك وتعريف المفلحون إما للعهد أو للإشارة إلى ما يعرفه كل أحد من حقيقة المفلحين. روى عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه سئل عن خير الناس فقال آمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأتقاهم لله وأوصلهم للرحم وعنه عليهالسلام من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله فى أرضه وخليفة رسوله وخليفة كتابه وعنه عليهالسلام والذى نفسى بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذابا من عنده ثم لتدعنه فلا يستجاب لكم وعن على رضى الله عنه أفضل الجهاد الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ومن شنأ الفاسقين وغضب لله غضب الله له والأمر بالمعروف فى الوجوب والندب تابع للمأمور به وأما النهى عن المنكر فواجب كله فإن جميع ما أنكره الشرع حرام والعاصى يجب عليه النهى عما ارتكبه إذ يجب عليه تركه وإنكاره فلا يسقط بترك أحدهما وجوب شىء منهما والتوبيخ فى قوله تعالى (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) إنما هو على نسيان أنفسهم لا على أمرهم بالبر وعن السلف مروا بالخير وإن لم تفعلوا (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا) هم أهل الكتابين حيث تفرقت اليهود فرقا والنصارى فرقا (وَاخْتَلَفُوا) باستخراج التأويلات الزائغة وكتم الآيات الناطقة وتحريفها بما أخلدوا إليه من حطام الدنيا الدنيئة (مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) أى الآيات الواضحة المبينة للحق الموجبة للاتفاق عليه واتحاد الكلمة فالنهى متوجه إلى المتصدين للدعوة أصالة وإلى أعقابهم تبعا ويجوز تعميم الموصول للمختلفين من الأمم السالفة المشار إليهم بقوله عزوجل (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) وقيل هم المبتدعة من هذه الأمة وقيل هم الحرورية وعلى كل تقدير فالمنهى عنه إنما هو الاختلاف فى الأصول دون الفروع إلا أن يكون مخالفا للنصوص البينة أو الإجماع لقوله عليه الصلاة والسلام اختلاف أمتى رحمة وقوله عليهالسلام من اجتهد فأصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر واحد (وَأُولئِكَ) إشارة إلى المذكورين باعتبار اتصافهم بما فى حيز الصلة وهو مبتدأ وقوله تعالى (لَهُمْ) خبره وقوله تعالى (عَذابٌ عَظِيمٌ) مرتفع بالظرف على الفاعلية لاعتماده على المبتدأ أو مبتدأ والظرف خبره والجملة خبر للمبتدأ الأول وفيه من التأكيد والمبالغة فى وعيد المتفرقين والتشديد فى تهديد المشبهين بهم ما لا يخفى