(يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (١٠٦) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١٠٧) تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ) (١٠٨)
____________________________________
(يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ) أى وجوه كثيرة وقرىء تبياض (وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) كثيرة وقرىء تسواد وعن عطاء تبيض وجوه المهاجرين والأنصار وتسود وجوه بنى قريظة والنضير ويوم منصوب على أنه ظرف للاستقرار فى لهم أى لثبوت العذاب العظيم لهم أو على أنه مفعول لمضمر خوطب به المؤمنون تحذيرا لهم عن عاقبة التفريق بعد مجىء البينات وترغيبا فى الاتفاق على التمسك بالدين أى اذكروا يوم تبيض الخ وبياض الوجه وسواده كنايتان عن ظهور بهجة السرور وكآبة الخوف فيه وقيل يوسم أهل الحق ببياض الوجه والصحيفة وإشراق البشرة وسعى النور بين يديه وبيمينه وأهل الباطل بأضداد ذلك (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ) تفصيل لأحوال الفريقين بعد الإشارة إليها إجمالا وتقديم بيان هؤلاء لما أن المقام مقام التحذير عن التشبه بهم مع ما فيه من الجمع بين الإجمال والتفصيل والإفضاء إلى ختم الكلام بحسن حال المؤمنين كما بدئ بذلك عند الإجمال (أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) على إرادة القول أى فيقال لهم ذلك والهمزة للتوبيخ والتعجيب من حالهم والظاهر أنهم أهل الكتابين وكفرهم بعد إيمانهم كفرهم برسول اللهصلىاللهعليهوسلم بعد إيمان أسلافهم أو إيمان أنفسهم به قبل مبعثه عليه الصلاة والسلام أو جميع الكفرة حيث كفروا بعد ما أقروا بالتوحيد يوم الميثاق أو بعد ما تمكنوا من الإيمان بالنظر الصحيح والدلائل الواضحة والآيات البينة وقيل المرتدون وقيل أهل البدع والأهواء والفاء فى قوله عز وعلا (فَذُوقُوا الْعَذابَ) أى العذاب المعهود الموصوف بالعظم للدلالة على أن الأمر بذوق العذاب على طريق الإهانة مترتب على كفرهم المذكور كما أن قوله تعالى (بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) صريح فى أن نفس الذوق معلل بذلك والجمع بين صيغتى الماضى والمستقبل للدلالة على استمرار كفرهم أو على مضيه فى الدنيا (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ) أعنى الجنة والنعيم المخلد عبر عنها بالرحمة تنبيها على أن المؤمن وإن استغرق عمره فى طاعة الله تعالى فإنه لا يدخل الجنة إلا برحمته تعالى وقرىء ابياضت كما قرىء اسوادت (هُمْ فِيها خالِدُونَ) استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ من السياق كأنه قيل كيف يكونون فيها فقيل هم فيها خالدون لا يظعنون عنها ولا يموتون وتقديم الظرف للمحافظة على رءوس الآى (تِلْكَ) إشارة إلى الآيات المشتملة على تنعيم الأبرار وتعذيب الكفار ومعنى البعد للإيذان بعلو شأنها وسمو مكانها فى الشرف وهو مبتدأ وقوله تعالى (آياتُ اللهِ) خبره وقوله تعالى (نَتْلُوها) جملة حالية من الآيات والعامل فيها معنى الإشارة أو هى الخبر و (آياتُ اللهِ) بدل من اسم الإشارة والالتفات إلى التكلم