(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (١٠٩) كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ) (١١٠)
____________________________________
بنون العظمة مع كون التلاوة على لسان جبريل عليهالسلام لإبراز كمال العناية بالتلاوة وقرىء يتلوها على إسناد الفعل إلى ضميره تعالى وقوله تعالى (عَلَيْكَ) متعلق بنتلوها وقوله تعالى (بِالْحَقِّ) حال مؤكدة من فاعل نتلوها أو من مفعوله أى ملتبسين أو ملتبسة بالحق والعدل ليس فى حكمها شائبة جور بنقص ثواب المحسن أو بزيادة عقاب المسىء أو بالعقاب من غير جرم بل كل ذلك موفى لهم حسب استحقاقهم بأعمالهم بموجب الوعد والوعيد وقوله تعالى (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ) تذييل مقرر لمضمون ما قبله على أبلغ وجه وآكده فإن تنكير الظلم وتوجيه النفى إلى إرادته بصيغة المضارع دون نفسه وتعليق الحكم بآحاد الجمع المعرف والالتفات إلى الاسم الجليل إشعارا بعلة الحكم بيان لكمال نزاهته عزوجل عن الظلم بما لا مزيد عليه أى ما يريد فردا من أفراد الظلم لفرد من أفراد العالمين فى وقت من الأوقات فضلا عن أن يظلمهم فإن المضارع كما يفيد الاستمرار فى الإثبات يفيده فى النفى بحسب المقام كما أن الجملة الاسمية تدل بمعونة المقام على دوام الثبوت وعند دخول حرف النفى تدل على دوام الانتفاء لا على انتفاء الدوام وفى سبك الجملة نوع إيماء إلى التعريض بأن الكفرة هم الظالمون ظلموا أنفسهم بتعريضها للعذاب الخالد كما فى قوله تعالى (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أى له تعالى وحده من غير شركة أصلا ما فيهما من المخلوقات الفائنة للحصر ملكا وخلقا إحياء وإماتة وإثابة وتعذيبا وإيراد كلمة ما إما لتغليب غير العقلاء على العقلاء وإما لتنزيلهم منزلة غيرهم إظهارا لحقارتهم فى مقام بيان عظمته تعالى (وَإِلَى اللهِ) أى إلى حكمه وقضائه لا إلى غيره شركة أو استقلالا (تُرْجَعُ الْأُمُورُ) أى أمورهم فيجازى كلا منهم بما وعد له وأوعده من غير دخل فى ذلك لأحد قط فالجملة مقررة لمضمون ما ورد فى جزاء الفريقين وقيل هى معطوفة على ما قبلها مقررة لمضمونه فإن كون العالمين عبيده تعالى ومخلوقه ومرزوقه يستدعى إرادة الخير بهم (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) كلام مستأنف سيق لتثبيت المؤمنين على ما هم عليه من الاتفاق على الحق والدعوة إلى الخير وكنتم من كان الناقصة التى تدل على تحقق شىء بصفة فى الزمان الماضى من غير دلالة على عدم سابق أو لا حق كما فى قوله تعالى (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) وقيل كنتم كذلك فى علم الله تعالى أو فى اللوح أو فيما بين الأمم السالفة وقيل معناه أنتم خير أمة (أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) صفة لأمة واللام متعلقة بأخرجت أى أظهرت لهم وقيل بخير أمة أى كنتم خير الناس للناس فهو صريح فى أن الخيرية بمعنى النفع للناس وإن فهم ذلك من الإخراج لهم أيضا أى أخرجت لأجلهم ومصلحتهم قال أبو هريرة رضى الله عنه معناه كنتم خير الناس للناس تأتون بهم فى السلاسل فتدخلونهم فى الإسلام وقال قتادة هم أمة محمد صلىاللهعليهوسلم لم يؤمر نبى