(لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) (١١١)
____________________________________
قبله بالقتال فهم يقاتلون الكفار فيدخلونهم فى الإسلام فهم خير أمة للناس (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) استئناف مبين لكونهم خير أمة كما يقال زيد كريم يطعم الناس ويكسوهم ويقوم بمصالحهم أو خبر ثان لكنتم وصيغة الاستقبال للدلالة على الاستمرار وخطاب المشافهة وإن كان خاصا بمن شاهد الوحى من المؤمنين لكن حكمه عام للكل قال ابن عباس رضى الله عنهما يريد أمة محمد صلىاللهعليهوسلم وقال الزجاج أصل هذا الخطاب لأصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو يعم سائر أمته وروى الترمذى عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أنه سمع النبى صلىاللهعليهوسلم يقول فى قوله تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) أنتم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله تعالى وظاهر أن المراد بكل أمة أوائلهم وأواخرهم لا أوائلهم فقط فلا بد أن تكون أعقاب هذه الأمة أيضا داخلة فى الحكم وكذا الحال فيما روى أن مالك بن الصيف ووهب ابن يهوذا اليهوديين مرا بنفر من أصحاب النبى صلىاللهعليهوسلم فيهم ابن مسعود وأبى بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى حذيفة رضوان الله عليهم فقالا لهم نحن أفضل منكم وديننا خير مما تدعوننا إليه. وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله عنهما كنتم خير أمة الذين هاجروا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة وروى عن الضحاك أنهم أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم خاصة الرواة والدعاة الذين أمر الله المسلمين بطاعتهم (وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) أى إيمانا متعلقا بكل ما يجب أن يؤمن به من رسول وكتاب وحساب وجزاء وإنما لم يصرح به تفصيلا لظهور أنه الذى يؤمن به المؤمنون وللإيذان بأنه هو الإيمان بالله تعالى حقيقة وأن ما خلا عن شىء من ذلك كإيمان أهل الكتاب ليس من الإيمان به تعالى فى شىء قال تعالى (وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا) وإنما أخر ذلك عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر مع تقدمه عليهما وجودا ورتبة لأن دلالتهما على خيريتهم للناس أظهر من دلالته عليها وليقترن به قوله تعالى (وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) أى لو آمنوا كإيمانكم لكان ذلك خيرا لهم مما هم عليه من الرياسة واستتباع العوام ولازدادت رياستهم وتمتعهم بالحظوظ الدنيوية مع الفوز بما وعدوه على الإيمان من إيتاء الأجر مرتين وقيل مما هم فيه من الكفر فالخيرية إنما هى باعتبار زعمهم وفيه ضرب تهكم بهم وإنما لم يتعرض للمؤمن به أصلا للإشعار بظهور أنه الذى يطلق عليه اسم الإيمان لا يذهب الوهم إلى غيره ولو فصل المؤمن به ههنا أو فيما قبل لربما فهم أن لأهل الكتاب أيضا إيمانا فى الجملة لكن إيمان المؤمنين خير منه وهيهات ذلك (مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ) جملة مستأنفة سيقت جوابا عما نشأ من الشرطية الدالة على انتفاء الخيرية لانتفاء الإيمان عنهم كأنه قيل هل منهم من آمن أو كلهم على الكفر فقيل منهم المؤمنون المعهودون الفائزون بخير الدارين كعبد الله بن سلام وأصحابه (وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ) المتمردون فى الكفر الخارجون عن الحدود (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً) استثناء مفرغ من المصدر العام أى لن يضروكم أبدا ضررا ما إلا ضرر أذى لا يبالى به من طعن وتهديد لا أثر له (وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ) أى ينهزمون من غير أن ينالوا منكم شيئا من قتل أو أسر (ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) عطف