(إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (١٢٠) وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (١٢١)
____________________________________
وزيادته بتضاعف قوة الإسلام وأهله إلى أن يهلكوا به أو باشتداده إلى أن يهلكهم (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) فيعلم ما فى صدوركم من العداوة والبغضاء والحنق وهو يحتمل أن يكون من المقول أى وقل لهم إن الله تعالى عليم بما هو أخفى مما تخفونه من عض الأنامل عيظا وأن يكون خارجا عنه بمعنى لا تتعجب من إطلاعى إياك على أسرارهم فإنى عليم بذات الصدور وقيل هو أمر لرسول الله صلىاللهعليهوسلم بطيب النفس وقوة الرجاء والاستبشار بوعد الله تعالى أن يهلكوا غيظا بإعزاز الإسلام وإذلالهم به من غير أن يكون ثمة قول كأنه قيل حدث نفسك بذلك (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها) بيان لتناهى عداوتهم إلى حد حسد وامانا لهم من خير ومنفعة وشمتوا بما أصابهم من ضر وشدة وذكر المس مع الحسنة والإصابة مع السيئة إما للإيذان بأن مدار مساءتهم أدنى مراتب إصابة الحسنة ومناط فرحهم تمام إصابة السيئة وإما لأن المس مستعار لمعنى الإصابة (وَإِنْ تَصْبِرُوا) أى على عتاتهم أو على مشاق التكاليف (وَتَتَّقُوا) ما حرم الله تعالى عليكم ونهاكم عنه (لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ) مكرهم وحيلتهم التى دبروها لأجلكم وقرىء لا يضركم بكسر الضاد وجزم الراء على جواب الشرط من ضاره يضيره بمعنى ضره يضره وضمة الراء فى القراءة المشهورة للاتباع كضمة مد (شَيْئاً) نصب على المصدرية أى لا يضركم شيئا من الضرر بفضل الله وحفظه الموعود للصابرين والمتقين ولأن المجد فى الأمر المتدرب بالاتقاء والصبر يكون جريئا على الخصم (إِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ) فى عدواتكم من الكيد (مُحِيطٌ) علما فيعاقبهم على ذلك وقرىء بالتاء الفوقانية أى بما تعملون من الصبر والتقوى فيجازيكم بما أنتم أهله (وَإِذْ غَدَوْتَ) كلام مستأنف سيق للاستشهاد بما فيه من استتباع عدم الصبر والتقوى للضرر على أن وجودهما مستتبع لما وعد من النجاة من مضرة كيد الأعداء وإذ نصب على المفعولية بمضمر خوطب به النبى صلىاللهعليهوسلم خاصة مع عموم الخطاب فيما قبله وما بعده له وللمؤمنين لاختصاص مضمون الكلام به عليهالسلام أى واذكر لهم وقت غدوك ليتذكروا ما وقع فيه من الأحوال الناشئة عن عدم الصبر فيعلموا أنهم إن لزموا الصبر والتقوى لا يضرهم كيد الكفرة وتوجيه الأمر بالذكر إلى الوقت دون ما وقع فيه من الحوادث مع أنها المقصودة بالذات للمبالغة فى إيجاب ذكرها واستحضار الحادثة بتفاصيلها كما سلف بيانه فى تفسير قوله تعالى (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ) الخ والمراد به خروجه عليهالسلام إلى أحد وكان ذلك من منزل عائشة رضى الله عنها وهو المراد بقوله تعالى (مِنْ أَهْلِكَ) أى من عند أهلك (تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ) أى تنزلهم أو تهيئ وتسوى لهم (مَقاعِدَ) ويؤيد قراءة من قرأ تبوئ للمؤمنين والجملة حال من فاعل غدوت لكن لا على أنها حال مقدرة أى ناويا وقاصدا للتبوئة كما قيل