(إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (١٢٢)
____________________________________
بل على أن المقصود تذكير الزمان الممتد المتسع لابتداء الخروج والتبوئة وما يترتب عليها إذ هو المذكر للقصة وإنما عبر عنه بالغدو الذى هو الخروج غدوة مع كون خروجه عليهالسلام بعد صلاة الجمعة كما ستعرفه إذ حينئذ وقعت التبوئة التى هى العمدة فى الباب إذ المقصود بتذكير الوقت تذكير مخالفتهم لأمر النبى صلىاللهعليهوسلم وتزايلهم عن أحيازهم المعينة لهم عند التبوئة وعدم صبرهم وبهذا يتبين خلل رأى من احتج به على جواز أداء صلاة الجمعة قبل الزوال واللام فى قوله تعالى (لِلْقِتالِ) إما متعلقة بتبوئ أى لأجل القتال وإما بمحذوف وقع صفة لمقاعد أى كائنة ومقاعد القتال أما كنه ومواقفه فإن استعمال المقعد والمقام بمعنى المكان اتساعا شائع ذائع كما فى قوله تعالى (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ) وقوله تعالى (قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ) روى أن المشركين نزلوا بأحد يوم الأربعا فاستشار رسول الله صلىاللهعليهوسلم أصحابه ودعا عبد الله بن أبى بن سلول ولم يكن دعاه قبل ذلك فاستشاره فقال عبد الله وأكثر الأنصار يا رسول الله أقم بالمدينة ولا تخرج إليهم فو الله ما خرجنا منها إلى عدو قط إلا أصاب منا ولا دخلها علينا إلا أصبنا منه فكيف وأنت فينافدعهم فإن أقاموا أقاموا بشر محبس وإن دخلوا قاتلهم الرجال فى وجوههم ورماهم النساء والصببان بالحجارة وإن رجعوا رجعوا خائبين وقال بعضهم يا رسول الله اخرج بنا إلى هؤلاء الأكلب لا يرون أنا قد جبنا عنهم فقال صلىاللهعليهوسلم إنى قد رأيت فى منامى بقرا مذبحة حولى فأولتها خيرا ورأيت فى ذباب سيفى ثلما فأولته هزيمة ورأيت كأنى أدخلت يدى فى درع حصينة فأولتها المدينة فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة فتدعوهم فقال رجال من المسلمين قد فاتتهم بدر وأكرمهم الله تعالى بالشهادة يومئذ اخرج بنا إلى أعدائنا وقال النعمان بن مالك الأنصارى رضى الله عنه يا رسول الله لا تحرمنى الجنة فو الذى بعثك بالحق لأدخلن الجنة ثم قال بقولى أشهد أن لا إله إلا وأنى لا أفر من الزحف فلم يزالوا به عليهالسلام حتى دخل فلبس لأمته فلما رأوه كذلك ندموا وقالوا بئسما صنعنا نشير على رسول الله والوحى يأتيه وقالوا اصنع يا رسول الله ما رأيت فقال ما ينبغى لنبى أن يلبس لأمته فيضعها حتى يقاتل فخرج يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة وأصبح بالشعب من أحد يوم السبت للنصف من شوال لسنة ثلاث من الهجرة فمشى على رجليه فجعل يصف أصحابه للقتال فكأنما يقوم بهم القدح إن رأى صدرا خارجا قال تأخر وكان نزوله فى عدوة الوادى وجعل ظهره وعسكره إلى أحد وأمر عبد الله بن جبير على الرماة وقال لهم انضحوا عنا بالنبل لا يأتونا من ورائنا ولا تبرحوا من مكانكم فلن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم (وَاللهُ سَمِيعٌ) لأقوالكم (عَلِيمٌ) بضمائركم والجملة اعتراض للإيذان بأنه قد صدر عنهم هناك من الأقوال والأفعال ما لا ينبغى صدوره عنهم. (إِذْ هَمَّتْ) بدل من (إِذْ غَدَوْتَ) مبين لما هو المقصود بالتذكير أو ظرف ل (سَمِيعٌ عَلِيمٌ) على معنى أنه تعالى جامع بين سماع الأقوال والعلم بالضمائر فى ذلك الوقت إذ لا وجه لتقييد كونه تعالى سميعا عليما بذلك الوقت. قال الفراء معنى قولك ضربت وأكرمت زيدا أن زيدا منصوب بهما وأنهما تسلطا عليه معا (طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا) متعلق بهمت والباء محذوفة أى بأن تفشلا أى تجبنا وتضعفا وهما حيان من