(وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢٣) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ) (١٢٤)
____________________________________
الأنصار بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس وهما الجناحان من عسكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكانوا ألف رجل وقيل تسعمائة وخمسين وعدهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم الفتح إن صبروا فلما قاربوا عسكر الكفرة وكانوا ثلاثة آلاف انخذل عبد الله بن أبى بثلث الناس فقال يا قوم علام نقتل أنفسنا وأولادنا فتبعهم عمرو بن حزم الأنصارى فقال أنشدكم الله فى نبيكم وأنفسكم فقال عبد الله لو نعلم قتالا لا تبعناكم فهم الحيان باتباع عبد الله فعصمهم الله تعالى فمضوا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعن ابن عباس رضى الله عنهما أضمروا أن يرجعوا فعزم الله لهم على الرشد فثبتوا والظاهر أنها ما كانت إلا همة وحديث نفس قلما تخلوا النفس عنه عند الشدائد (وَاللهُ وَلِيُّهُما) أى عاصمهما عن اتباع تلك الخطرة والجملة اعتراض ويجوز أن تكون حالا من فاعل همت أو من ضميره فى تفشلا مفيدة لاستبعاد فشلهما أو همهما به مع كونهما فى ولاية الله تعالى وقرىء والله وليهم كما فى قوله تعالى (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا (وَعَلَى اللهِ) وحده دون ما عداه مطلقا استقلالا أو اشتراكا (فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) فى جميع أمورهم فإنه حسبهم وإظهار الاسم الجليل للتبرك والتعليل فإن الألوهية من موجبات التوكل عليه تعالى واللام فى المؤمنين للجنس فيدخل فيه الطائفتان دخولا أوليا وفيه إشعار بأن وصف الإيمان من دواعى التوكل وموجباته (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ) جملة مستأنفة سيقت لإيجاب الصبر والتقوى بتذكير ما ترتب عليهما من النصر إثر تذكير ما ترتب على عدمهما من الضرر وقيل لإيجاب التوكل على الله تعالى بتذكير ما يوجبه وبدر اسم ماء بين مكة والمدينة كان لرجل اسمه بدر بن كلدة فسمى بأسمه وقيل سمى به لصفائه كالبدر واستدارته وقيل هو اسم الموضع أو الوادى وكانت وقعة بدر فى السابع عشر من شهر رمضان سنة اثنتين من الهجرة (وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) حال من مفعول نصركم وأذلة جمع ذليل وإنما جمع جمع قلة للإيذان باتصافهم حينئذ بوصفى القلة والذلة إذ كانوا ثلثمائة وبضعة عشر وكان ضعف حالهم فى الغاية خرجوا على النواضح يتعقب النفر منهم على البعير الواحد ولم يكن فى العسكر إلا فرس واحد وقيل فرسان للمقداد ومرثد وتسعون بعيرا وست أدرع وثمانية سيوف وكان العدو زهاء ألف ومعهم مائة فرس وشكة وشوكة (فَاتَّقُوا اللهَ) اقتصر على الأمر بالتقوى مع كونه مشفوعا بالصبر فيما سبق وما لحق للإشعار بإصالته وكون الصبر من مباديه اللازمة له ولذلك قدم عليه فى الذكر وفى ترتيب الأمر بالتقوى على الإخبار بالنصر إيذان بأن نصرهم المذكور كان بسبب تقواهم أى إدا كان الأمر كذلك فاتقوا الله كما اتقيتم يومئذ (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أى راجين أن تشكروا ما ينعم به عليكم بتقواكم من النصرة كما شكرتم فيما قبل أو لعلكم ينعم الله عليكم بالنصر كما فعل ذلك من قبل فوضع الشكر موضع سببه الذى هو الإنعام (إِذْ تَقُولُ) تلوين للخطاب بتخصيصه رسول الله صلىاللهعليهوسلم لتشريفه والإيذان بأن وقوع النصر كان ببشارته عليهالسلام وإذ ظرف لنصركم قدم عليه الأمر