(وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (١٢٦)
____________________________________
أنهم كانوا على خيل باق قال عروة بن الزبير كانت الملائكة على خيل بلق عليهم عمائم بيض قد أرسلوها بين أكتافهم وقال هشام بن عروة عمائم صفر وقال قتادة والضحاك كانوا قد أعلموا بالعهن فى نواصى الخيل وأذنابها روى أن النبى صلىاللهعليهوسلم قال لأصحابه تسوموا فإن الملائكة قد تسومت وقرىء مسومين على البناء للمفعول ومعناه معلمين من جهته سبحانه وقيل مرسلين من التسويم بمعنى الإسامة (وَما جَعَلَهُ اللهُ) كلام مبتدأ غير داخل فى حيز القول مسوق من جنابه تعالى لبيان أن الأسباب الظاهرة بمعزل من التأثير وأن حقيقة النصر مختص به عزوجل ليثق به المؤمنون ولا يقنطوا منه عند فقدان أسبابه وأماراته معطوف على فعل مقدر ينسحب عليه الكلام ويستدعيه النظام فإن الإخبار بوقوع النصر على الإطلاق وتذكير وقته وحكاية الوعد بوقوعه على وجه مخصوص هو الإمداد بالملائكة مرة بعد أخرى وتعيين وقته فيما مضى يقضى بوقوعه حينئذ قضاء قطعيا لكن لم يصرح به تعويلا على تعاضد الدلائل وتآخذ الإمارات والمخايل وإيذانا بكمال الغنى عنه بل احترازا عن شائبة التكرير أو عن إيهام احتمال الخلف فى الوعد المحتوم كأنه قيل عقيب قوله تعالى (يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) فأمدكم بهم وما جعله الله الخ والجعل متعد إلى واحد هو الضمير العائد إلى مصدر ذلك الفعل المقدر وأما عوده إلى المصدر المذكور أعنى قوله تعالى (أَنْ يُمِدَّكُمْ) أو إلى المصدر المدلول عليه بقوله تعالى (يُمْدِدْكُمْ) كما قيل فغير حقيق بجزالة التنزيل لأن الهيئة البسيطة متقدمة على المركبة فبيان العلة الغائبة لوجود الإمداد كما هو المراد بالنظم الكريم حقه أن يكون بعد بيان وجوده فى نفسه ولا ريب فى أن المصدر بن المذكورين غير معتبرين من حيث الوجود والوقوع كمصدر الفعل المقدر حتى يتصدى لبيان أحكام وجودهما بل الأول معتبر من حيث الكفاية والثانى من حيث الوعد على أن الأول هو الإمداد بثلاثة آلاف والواقع هو الإمداد بخمسة آلاف وقوله تعالى (إِلَّا بُشْرى لَكُمْ) استثناء مفرغ من أعم العلل وتلوين الخطاب لتشريف المؤمنين وللإيذان بأنهم المحتاجون إلى البشارة وتسكين القلوب بتوفيق الأسباب الظاهرة وأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم غنى عنه بماله من التأييد الروحانى أى وما جعل إمدادكم بإنزال الملائكة عيانا لشىء من الأشياء إلا للبشرى لكم بأنكم تنصرون (وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ) أى بالإمداد وتسكن إليه كما كانت السكينة لبنى إسرائيل كذلك فكلاهما علة غائية للجعل وقد نصب الأول لاجتماع شرائطه من اتحاد الفاعل والزمان وكونه مصدرا مسوقا للتعليل وبقى الثانى على حاله لفقدانها وقيل للإشارة أيضا إلى أصالته فى العلية وأهميته فى نفسه كما فى قوله تعالى (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) وفى قصر الإمداد عليهما إشعار بأن الملائكة عليهمالسلام لم يباشروا يومئذ القتال وإنما كان إمدادهم بتقوية قلوب المباشرين بتكثير السواد ونحوه كما هو رأى بعض السلف رضى الله عنه وقيل الجعل متعد إلى