(لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ (١٢٧) لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ) (١٢٨)
____________________________________
اثنين وقوله عزوجل (إِلَّا بُشْرى لَكُمْ) استثناء من أعم المفاعيل أى وما جعله الله تعالى شيئا من الأشياء إلا بشارة لكم فاللام فى قوله تعالى (وَلِتَطْمَئِنَ) متعلقة بمحذوف تقديره ولتطمئن قلوبكم به فعل ذلك (وَمَا النَّصْرُ) أى حقيقة النصر على الإطلاق فيندرج فى حكمه النصر المعهود إندراجا أوليا (إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) أى إلا كائن من عنده تعالى من غير أن يكون فيه شركة من جهة الأسباب والعدد وإنما هى مظاهر له بطريق جريان سنته تعالى أو وما النصر المعهود إلا من عنده تعالى لا من عند الملائكة فإنهم بمعزل من التأثير وإنما قصارى أمرهم ما ذكر من البشارة وتقوية القلوب (الْعَزِيزِ) أى الذى لا يغالب فى حكمه وأقضيته وإجراء هذا الوصف عليه تعالى للإشعار بعلة اختصاص النصر به تعالى كما أن وصفه بقوله (الْحَكِيمِ) أى الذى يفعل كل ما يفعل حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة للإيذان بعلة جعل النصر بإنزال الملائكة فإن ذلك من مقتضيات الحكم البالغة (لِيَقْطَعَ) متعلق بقوله تعالى (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ) وما بينهما تحقيق لحقيقته وبيان لكيفية وقوعه والمقصور على التعليل بما ذكر من البشرى والاطمئنان إنما هو الإمداد بالملائكة على الوجه المذكور فلا يقدح ذلك فى تعليل أصل النصر بالقطع وما عطف عليه أو بما تعلق به الخبر فى قوله عز وعلا (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) على تقدير كونه عبارة عن النصر المعهود وقد أشير إلى أن المعلل بالبشارة والاطمئنان إنما هو الإمداد الصورى لا ما فى ضمنه من النصر المعنوى الذى هو ملاك الأمر وأما تعلقه بنفس النصر كما قيل فمع ما فيه من الفصل بين المصدر ومعموله بأجنبى هو الخبر مخل بسداد المعنى كيف لا ومعناه قصر النصر المخصوص المعلل بعلل معينة على الحصول من جهته تعالى وليس المراد إلا قصر حقيقة النصر أو النصر المعهود على ذلك والمعنى لقد نصركم الله يومئذ أو وما النصر الظاهر عند إمداد الملائكة إلا ثابت من عند الله ليقطع أى يهلك وينقص (طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أى طائفة منهم بقتل وأسر وقد وقع ذلك حيث قتل من رؤسائهم وصناديدهم سبعون وأسر سبعون (أَوْ يَكْبِتَهُمْ) أى يخزيهم ويغيطهم بالهزيمة فإن الكبت شدة غيظ أو وهن يقع فى القلب من كبته بمعنى كبده إذا ضرب كبده بالغيظ والحرقة وقيل الكبت الإصابة بمكروه وقيل هو الصرع للوجه واليدين فالتاء حينئذ غير مبدلة وأو للتنويع (فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ) أى فينهزموا منقطعى الآمال غير فائزين من مبتغاهم بشىء كما فى قوله تعالى (وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً) (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) اعتراض وسط بين المعطوف عليه المتعلق بالعاجل والمعطوف المتعلق بالآجل لتحقيق أن لا تأثير للمنصورين إثر بيان أن لا تأثير للناصرين وتخصيص النفى برسول الله صلىاللهعليهوسلم على طريق تلوين الخطاب للدلالة على الانتفاء من غيره بالطريق الأولى وإنما خص الاعتراض بموقعه لأن ما قبله من القطع والكبت من مظان أن يكون فيه لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ولسائر مباشرى القتال مدخل فى الجملة (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ) عطف على بكبتهم