والمعنى أن مالك أمرهم على الإطلاق هو الله عزوجل نصركم عليهم ليهلكهم أو يكبتهم أو يتوب عليهم إن أسلموا أو يعذبهم إن أصروا وليس لك من أمرهم شىء إنما أنت عبد مأمور بإنذارهم وجهادهم والمراد بتعذيبهم التعذيب الشديد الأخروى المخصوص بأشد الكفرة كفرا وإلا فمطلق التعذيب الأخروى متحقق فى الفريقين الأولين أيضا ونظم التوبة والتعذيب المذكور فى سلك العلة الغائبة للنصر المترتبة عليه فى الوجود من حيث إن قبول توبتهم فرع تحققها الناشىء من علمهم بحقية الإسلام بسبب غلبة أهله المترتبة على النصر وأن تعذيبهم بالعذاب المذكور مترتب على إصرارهم على الكفر بعد تبين الحق على الوجه المذكور هذا وقيل إن عتبة بن أبى وقاص شج رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم أحد وكسر رباعيته فجعل صلىاللهعليهوسلم يمسح الدم عن وجهه وسالم مولى حذيفة يغسل عن وجهه الدم وهو يقول كيف يفلح قوم خضبوا وجه نببهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم فنزلت (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) الآية كأنه نوع معاتبة على إنكاره عليهالسلام لفلاحهم وقيل أراد أن يدعو عليهم فنهاه الله تعالى لعلمه بأن منهم من يؤمن فقوله تعالى (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) حينئذ معطوف على (الْأَمْرِ) أو على (شَيْءٌ) بإضمار أن أى ليس لك من أمرهم أو من التوبة عليهم أو من تعذيبهم شىء أو ليس لك من أمرهم شىء أو التوبة عليهم أو تعذيبهم ونقل عن الفراء وابن الأنبارى أن أو بمعنى إلا أن والمعنى ليس لك من أمرهم شىء إلا أن يتوب الله عليهم فتفرح به أو يعذبهم فتتشفى منهم وأيا ما كان فهو كلام مستأنف سيق لبيان بعض الأمور المتعلقة بغزوة أحد إثر بيان بعض ما يتعلق بغزوة بدر لما بينهما من التناسب الظاهر لأن كلا منهما مبنى على اختصاص الأمر كله بالله تعالى ومنبىء عن سلبه عمن سواه وأما تعلق كل القصة بغزوة أحد على أن قوله تعالى (إِذْ تَقُولُ) بدل ثان من (إِذْ غَدَوْتَ) وأن ما حكى عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد وقع يوم أحد وأن الإمداد الموعود كان مشروطا بالصبر والتقوى فلما لم يفعلوا لم يتحقق الموعود كما قيل فلا يساعده النظم الكريم أما أولا فلأن المشروط بالصبر والتقوى إنما هو الإمداد بخمسة آلاف لا بثلاثة آلاف مع أنه لم يقع الإمداد يومئذ ولا بملك واحد وأما ثانيا فلانه كان ينبغى حينئذ أن ينعى عليهم جناياتهم وحرمانهم بسببها تلك النعمة الجليلة ودعوى ظهوره مع عدم دلالة السباق والسياق عليه بل مع دلالتهما على خلافه مما لا يكاد يسمع وأما ثالثا فلأنه لا سبيل إلى جعل الضمير فى قوله تعالى (وَما جَعَلَهُ اللهُ) الخ عائدا إلى الإمداد الموعود لأنه لم يتحقق فكيف يبين علته الغائية ولا إلى الوعد به على معنى أنه تعالى إنما جعل ذلك الوعد لبشارتكم واطمئنان قلوبكم فلم تفعلوا ما شرط عليكم من الصبر والتقوى فلم يقع إنجاز الموعود لما أن قوله تعالى (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) صريح فى أنه قد وقع الإمداد الموعود لكن أثره إنما هو مجرد البشارة والاطمئنان وقد حصلا وأما النصر الحقيقى فليس ذلك إلا من عنده تعالى وجعله استئنافا مقررا لعدم وقوع الإمداد على معنى أن النصر الموعود مخصوص به تعالى فلا ينصر من خالف أمره بترك الصبر والتقوى اعتساف بين يجب تنزيه التنزيل عن أمثاله على أن قوله تعالى (لِيَقْطَعَ طَرَفاً) الآية متعلق حينئذ بما تعلق به قوله تعالى (مِنْ عِنْدِ اللهِ) من الثبوت والاستقرار ضرورة أن تعلقه بقوله تعالى (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ) الآية مع كون ما بينهما من التفصيل متعلقا بوقعة أحد من قبيل الفصل بين الشجر ولحائه فلا بد من اعتبار وجود النصر قطعا لأن تفصيل الأحكام المترتبة على وجود شىء