(وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (١٣٥)
____________________________________
أى التاركين عقوبة من استحق مؤاخذته. روى أنه ينادى مناد يوم القيامة أين الذين كانت أجورهم على الله تعالى فلا يقوم إلا من عفا وعن النبى صلىاللهعليهوسلم إن هؤلاء فى أمتى قليل إلا من عصم الله وقد كانوا كثيرا فى الأمم التى مضت وفى هذين الوصفين إشعار بكمال حسن موقع عفوه عليه الصلاة والسلام عن الرماة وترك مؤاخذتهم بما فعلوا من مخالفة أمره عليهالسلام وندب له عليهالسلام إلى ترك ما عزم عليه من مجازاة المشركين بما فعلوا بحمزة رضى الله عنه حيث قال حين رآه قد مثل به لأمثلن بسبعين مكانك (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) اللام إما للجنس وهم داخلون فيه دخولا أوليا وإما للعهد عبر عنهم بالمحسنين إيذانا بأن النعوت المعدودة من باب الإحسان الذى هو الإتيان بالأعمال على الوجه اللائق الذى هو حسنها الوصفى المستلزم لحسنها الذاتى وقد فسره عليهالسلام بقوله أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك والجملة تذييل مقرر لمضمون ما قبلها (وَالَّذِينَ) مرفوع على الابتداء وقيل مجرور معطوف على ما قبله من صفات المتقين وقوله تعالى (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) اعتراض بينهما مشير إلى ما بينهما من التفاوت فإن درجة الأولين من التقوى أعلى من درجة هؤلاء وحظهم أو فى من حظهم أو على نفس المتقين فيكون التفاوت أكثر وأظهر (إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) أى فعلة بالغة فى القبح كالزنا (أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بأن أتوا ذنبا أى ذنب كان وقيل الفاحشة الكبيرة وظلم النفس الصغيرة أو الفاحشة ما يتعدى إلى الغير وظلم النفس ما ليس كذلك قيل قال المؤمنون يا رسول الله كانت بنو إسرائيل أكرم على الله تعالى منا كان أحدهم إذا أذنب أصبحت كفارة ذنبه مكتوبة على عتبة داره افعل كذا فأنزل الله تعالى هذه الآية وقيل إن نبهان التمار أتته امرأة حسناء تطلب منه تمرا فقال لها هذا التمر ليس بجيد وفى البيت أجود منه فذهب بها إلى بيته فضمها إلى نفسه وقبلها فقالت له اتق الله فتركها وندم على ذلك وأتى النبى صلىاللهعليهوسلم وذكر له ذلك فنزلت وقيل جرى مثل هذا بين أنصارى وامرأة رجل ثقفى كان بينهما مؤاخاة فندم الأنصارى وحثا على رأسه التراب وهام على وجهه وجعل يسيح فى الجبال تائبا مستغفرا ثم أتى النبىصلىاللهعليهوسلم فنزلت وأيا ما كان فإطلاق اللفظ ينتظم ما فعله الزناة انتظاما أوليا (ذَكَرُوا اللهَ) تذكروا حقه العظيم وجلاله الموجب للخشية والحياء أو وعيده أو حكمه وعقابه (فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) بالتوبة والندم والفاء للدلالة على أن ذكره تعالى مستتبع للاستغفار لا محالة (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ) استفهام إنكارى والمراد بالذنوب جنسها كما فى قولك فلان يلبس الثياب ويركب الخيل لا كلها حتى يخل بما هو المقصود من استحالة صدور مغفرة فرد منها عن غيره تعالى وقوله تعالى (إِلَّا اللهُ) بدل من الضمير المستكن فى يغفر أى لا يغفر جنس الذنوب أحد إلا الله خلا أن دلالة الاستفهام على الانتفاء أقوى وأبلغ لإيذانه بأن كل أحد ممن له حظ من الخطاب يعرف ذلك الانتفاء فيسارع إلى الجواب به والمراد به وصفه سبحانه بغاية سعة الرحمة وعموم المغفرة والجملة معترضة بين المعطوفين أو