(هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٨) وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (١٣٩)
____________________________________
والخلو المضى والسنن الوقائع وقيل الأمم والظرف إما متعلق بخلت أو بمحذوف وقع حالا من سنن أى قد مضت من قبل زمانكم لو كائنة من قبلكم وقائع سنها الله تعالى فى الأمم المكذبة كما فى قوله تعالى (وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا) الخ والفاء فى قوله تعالى (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) للدلالة على سببية خلوها للسير والنظر أو للأمر بهما وقيل المعنى على الشرط أى إن شككتم فسيروا الخ وكيف خبر مقدم لكان معلق لفعل النظر والجملة فى محل النصب بعد نزع الخافض لأن الأصل استعماله بالجار (هذا) إشارة إلى ما سلف من قوله تعالى (قَدْ خَلَتْ) إلى آخره (بَيانٌ لِلنَّاسِ) أى تبيين لهم على أن اللام متعلقة بالمصدر أو كائن لهم على أنها متعلقة بمحذوف وقع صفة له وتعريف الناس للعهد وهم المكذبون أى هذا إيضاح لسوء عاقبة ما هم عليه من التكذيب فإن الأمر بالسير والنظر وإن كان خاصا بالمؤمنين لكن العمل بموجبه غير مختص بواحد دون واحد ففيه حمل للمكذبين أيضا على أن ينظروا فى عواقب من قبلهم من أهل التكذيب ويعتبروا بما يعاينون من آثار دمارهم وإن لم يكن الكلام مسوقالهم (وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ) أى وزيادة بصيرة وموعظة لكم وإنما قيل (لِلْمُتَّقِينَ) للإيذان بعلة الحكم فإن مدار كونه هدى وموعظة لهم إنما هو تقواهم ويجوز أن يراد بالمتقين الصائرين إلى التقوى. والهدى والموعظة على ظاهرهما أى هذا بيان لمآل أمر الناس وسوء مغبته وهداية لمن اتقى منهم وزجر لهم عما هم عليه من التكذيب وأن يراد به ما يعمهم وغيرهم من المتقين بالفعل ويراد بالهدى والموعظة أيضا ما يعم ابتداءهما والزيادة فيهما وإنما قدم كونه بيانا للمكذبين مع أنه غير مسوق له على كونه هدى وموعظة للمتقين مع أنه المقصود بالسياق لأن أول ما يترتب على مشاهدة آثار هلاك أسلافهم ظهور حال أخلافهم وأما زيادة الهدى أو أصله فأمر مترتب عليه وتخصيص البيان للناس مع شموله للمتقين أيضا لما أن المراد به مجرد البيان العارى عن الهدى والعظة والاقتصار عليهما فى جانب المتقين مع ترتبهما على البيان لما أنهما المقصد الأصلى ويجوز أن يكون تعريف الناس للجنس أى هذا بيان للناس كافة وهدى وموعظة للمتقين منهم خاصة وقيل كلمة هذا إشارة إلى ما لخص من أمر المتقين والتائبين والمصرين وقوله تعالى (قَدْ خَلَتْ) الآية اعتراض للبعث على الإيمان وما يستحق به ما ذكر من أجر العاملين وأنت خبير بأن الاعتراض لابد أن يكون مقررا لمضمون ما وقع فى خلاله ومعاينة آثار هلاك المكذبين مما لا تعلق له بحال أحد الأصناف الثلاثة للمؤمنين وإن كان باعثا على الإيمان زاجرا عن التكذيب وقيل إشارة إلى القرآن ولا يخفى بعده (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا) تشجيع للمؤمنين وتقوية لقلوبهم وتسلية عما أصابهم يوم أحد من القتل والقرح وكان قد قتل يومئذ خمسة من المهاجرين حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير صاحب راية رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعبد الله بن جحش ابن عمة النبى صلىاللهعليهوسلم وعثمان بن شماس وسعد مولى عتبة