(إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)) (١٤٠
____________________________________
رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ومن الأنصار سبعون رجلا رضى الله عنهم أى لا تضعفوا عن الجهاد بما نالكم من الجراح ولا تحزنوا على من قتل منكم (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) جملة حالية من فاعل الفعلين أى والحال أنكم الأعلون الغالبون دون عدوكم فإن مصير أمرهم إلى الدمار حسبما شاهدتم من أحوال أسلافهم فهو تصريح بالوعد بالنصر والغلبة بعد الإشعار به فيما سبق أو وأنتم المعهودون بغاية علو الشأن لما أنكم على الحق وقتالكم لله عزوجل وقتلاكم فى الجنة وهم على الباطل وقتالهم للشيطان وقتلاهم فى النار وقيل وأنتم الأعلون حالا منهم حيث أصبتم منهم يوم بدر أكثر مما أصابوا منكم اليوم (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) متعلق بالنهى أو بالأعلون وجوابه محذوف لدلالة ما تعلق به عليه أى إن كنتم مؤمنين فلا تهنوا ولا تحزنوا فإن الإيمان يوجب قوة القلب والثقة بصنع الله تعالى وعدم المبالاة بأعدائه أو إن كنتم مؤمنين فأنتم الأعلون فإن الإيمان يقتضى العلو لا محالة أو إن كنتم مصدقين بوعد الله تعالى فأنتم الأعلون وأيا ما كان فالمقصود تحقيق المعلق بناء على تحقق المعلق به كما فى قول الأجير إن كنت عملت لك فأعطنى أجرى ولذلك قيل معناه إذ كنتم مؤمنين وقيل معناه إن بقيتم على الإيمان (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ) القرح بالفتح والضم لغتان كالضعف والضعف وقد قرىء بهما وقيل هو بالفتح الجراح وبالضم ألمها وقرىء بفتحين وقيل القرح والقرح كالطرد والطرد والمعنى إن نالوا منكم يوم أحد فقد نلتم منهم قبله يوم بدر ثم لم يضعف ذلك قلوبهم ولم يثبطهم عن معاودتكم بالقتال فأنتم أحق بأن لا تضعفوا فإنكم ترجون من الله ما لا يرجون وقيل كلا المسين كان يوم أحد فإن المسلمين نالوا منهم قبل أن يخالفوا أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم قتلوا منهم نيفا وعشرين رجلا منهم صاحب لوائهم وجرحوا عددا كثيرا وعقروا عامة خيلهم بالنبل (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ) إشارة إلى الأيام الجارية فيما بين الأمم الماضية والآتية كافة لا إلى الأيام المعهودة خاصة من يوم بدر ويوم أحد بل هى داخلة فيها دخولا أوليا والمراد بها أوقات الظفر والغلبة (نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) نصرفها بينهم نديل لهؤلاء تارة ولهؤلاء أخرى كقول من قال [فيوما علينا ويوما لنا ويوما نساء ويوما نسر] والمداولة كالمعاورة يقال داولته بينهم فتداولوه أى عاورته فتعاوره واسم الإشارة مبتدأ والأيام إما صفة له أو بدل منه أو عطف بيان له فنداولها خبره أو خبر فنداولها حال من الأيام والعامل معنى اسم الإشارة أو خبر بعد خبر وصيغة المضارع الدالة على التجدد والاستمرار للإيذان بأن تلك المداولة سنة مسلوكة فيما بين الأمم قاطبة سابقتها ولا حقتها وفيه ضرب من التسلية وقوله عزوجل (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) إما من باب التمثيل أى ليعاملكم معاملة من يريد أن يعلم المخلصين الثابتين على الإيمان من غيرهم أو العلم فيه مجاز عن التمييز بطريق إطلاق اسم السبب على المسبب أى ليمييز الثابتين على الإيمان من غيرهم كما فى قوله تعالى (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ