(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (١٤٢)
____________________________________
الذنوب عطف على يتخذ وتكرير اللام لتذكير التعليل لوقوع الفصل بينهما بالاعتراض وإظهار الاسم الجليل فى موقع الإضمار لإبراز مزيد الاعتناء بشأن التمحيص وهذه الأمور الثلاثة علل للمداولة المعهودة باعتبار كونها على المؤمنين قدمت فى الذكر لأنها المحتاجة إلى البيان ولعل تأخير العلة الأخيرة عن الاعتراض لئلا يتوهم اندراج المذنبين فى الظالمين أو ليقترن بقوله عزوجل (وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ) فإن التمحيص فيه محو الآثار وإزالة الأوضار كما أن المحق عبارة عن النقص والإذهاب قال المفضل وهو أن يذهب الشىء بالكلية حتى لا يرى منه شىء ومنه قوله تعالى (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا) أى يستأصله وهذه علة للمداولة باعتبار كونها على الكافرين والمراد بهم الذين حاربوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم أحد وأصروا على الكفر وقد محقهم الله عزوجل جميعا (أَمْ حَسِبْتُمْ) كلام مستأنف سيق لبيان ما هى الغاية القصوى من المداولة والنتيجة لما ذكر من تمييز المخلصين وتمحيصهم واتخاذ الشهداء وإظهار عزة منالها والخطاب للذين انهزموا يوم أحد وأم منقطعة وما فيها من كلمة بل للإضراب عن التسلية ببيان العلل فيما لقوا من الشدة إلى تحقيق أنها من مبادى الفوز بالمطلب الأسنى والهمزة للإنكار والاستبعاد أى بل أحسبتم (أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) وتفوزوا بنعيمها وقوله تعالى (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) حال من ضمير تدخلوا مؤكدة للإنكار فإن رجاء الأجر بغير عمل ممن يعلم أنه منوط به مستبعد عند العقول وعدم العلم كناية عن عدم المعلوم لما بينهما من اللزوم المبنى على لزوم تحقق الأول لتحقق الثانى ضرورة استحالة تحقق شىء بدون علمه تعالى به وإيثارها على التصريح للمبالغة فى تحقيق المعنى المراد فإنها إثبات لعدم جهادهم بالبرهان وللإيذان بأن مدار ترتب الجزاء على الأعمال إنما هو علم الله تعالى بها كأنه قيل والحال أنه لم يوجد الذين جاهدوا منكم وإنما وجه النفى إلى الموصوفين مع أن المنفى هو الوصف فقط وكان يكفى أن يقال ولما يعلم الله جهادكم كناية عن معنى ولما تجاهدوا للمبالغة فى بيان انتفاء الوصف وعدم تحققه أصلا وفى كلمة لما إيذان بأن الجهاد متوقع منهم فيما يستقبل إلا أنه غير معتبر فى تأكيد الإنكار وقرىء يعلم بفتح الميم على أن أصله يعلمن فحذفت النون أو على طريقة اتباع الميم لما قبلها فى الحركة لإبقاء تفخيم اسم الله تعالى ومنكم حال من الذين (وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) منصوب بإضمار أن على أن الواو للجمع كما فى قولك لا تأكل السمك وتشرب اللبن أى لا يكن منك أكل السمك وشرب اللبن والمعنى أم حسبتم أن تدخلوا الجنة والحال أنه لم يتحقق منكم الجهاد والصبر أى الجمع بينهما وإيثار اسم الفاعل على الموصول للدلالة على أن المعتبر هو الاستمرار على الصبر وللمحافظة على الفواصل وقيل مجزوم معطوف على المجزوم قبله قد حرك لالتقاء الساكنين بالفتح للخفة والاتباع كما مر ويؤيده القراءة بالكسر على ما هو الأصل فى تحريك الساكن وقرىء يعلم بالرفع على أن الواو للحال وصاحبها الموصول والمبتدأ محذوف أى وهو يعلم الصابرين كأنه قيل ولما تجاهدوا وأنتم صابرون.