(وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (١٤٣) وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) (١٤٤)
____________________________________
(وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ) أى تتمنون الحرب فإنها من مبادى الموت أو الموت بالشهادة والخطاب للذين لم يشهدوا بدرا وكانوا يتمنون أن يشهدوا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم مشهدا لينالوا ما ناله شهداء بدر من الكرامة فألحوا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى الخروج ثم ظهر منهم خلاف ذلك (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ) متعلق بتمنون مبين لسبب إقدامهم على التمنى أى من قبل أن تشاهدوه وتعرفوا هوله وشدته وقرىء تلاقوه (فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ) أى ما تتمنونه من أسباب الموت أو الموت بمشاهدة أسبابه وقوله تعالى (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) حال من ضمير المخاطبين وفى إيثار الرؤية على الملاقاة وتقييدها بالنظر مزيد مبالغة فى مشاهدتهم له والفاء فصيحة كأنه قيل إن كنتم صادقين فى تمنيكم ذلك فقد رأيتموه معاينين له حين قتل بين أيديكم من قتل من إخوانكم وأقاربكم وشارفتم أن تقتلوا فلم فعلتم ما فعلتم وهو توبيخ لهم على تمنيهم الحرب وتسببهم لها ثم جبنهم وانهزامهم لا على تمنى الشهادة بناء على تضمنها لغلبة الكفار لما أن مطلب من يتمناها نيل كرامة الشهداء من غير أن يخطر بباله شىء غير ذلك فلا يستحق العتاب من تلك الجهة (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ) مبتدأ وخبر ولا عمل لما بالاتفاق لانتقاض نفيه بإلا وقوله تعالى (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) صفة لرسول منبئة عن كونه فى شرف الخلو فإن خلو مشاركيه فى منصب الرسالة من شواهد خلوه عليه الصلاة والسلام لا محالة كأنه قيل قد خلت من قبله أمثاله فسيخلو كما خلوا والقصر قلبى فإنهم لما انقلبوا على أعقابهم فكأنهم اعتقدوا أنه عليه الصلاة والسلام رسول لا كسائر الرسل فى أنه يخلو كما خلوا ويجب التمسك بدينه بعده كما يجب التمسك بدينهم بعدهم فرد عليهم بأنه ليس إلا رسولا كسائر الرسل فسيخلو كما خلوا ويجب التمسك بدينه كما يجب التمسك بدينهم وقيل هو قصر إفراد فإنهم لما استعظموا عدم بقائه عليه الصلاة والسلام لهم نزلوا منزلة المستبعدين لهلاكه كأنهم يعتقدون فيه عليه الصلاة والسلام وصفين الرسالة والبعد عن الهلاك فرد عليهم بأنه مقصور على الرسالة لا يتجاوزها إلى البعد عن الهلاك فلا بد حينئذ من جعل قوله تعالى (قَدْ خَلَتْ) الخ كلاما مبتدأ مسوقا لتقرير عدم براءته عليه الصلاة والسلام من الهلاك وبيان كونه أسوة لمن قبله من الرسل عليهمالسلام وأيا ما كان فالكلام يخرج على خلاف مقتضى الظاهر (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) إنكار لارتدادهم وانقلابهم عن الدين بخلوه بموت أو قتل بعد علمهم بخلو الرسل قبله وبقاء دينهم متمسكا به وقيل الفاء للسببية والهمزة لإنكار أن يجعلوا خلو الرسل قبله سببا لانقلابهم بعد وفاته مع كونه سببا فى الحقيقة لثباتهم على الدين وإيراد الموت بكلمة إن مع علمهم به البتة لتنزيل المخاطبين منزلة المترددين فيه لما ذكر من استعظامهم إياه وهكذا الحال فى سائر الموارد فإن كلمة إن فى كلام الله تعالى لا تجرى على ظاهرها قط ضرورة علمه تعالى بالوقوع