(وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) (١٤٦)
____________________________________
عن ذلك صارف أصلا والمراد بهم إما المجاهدون المعهودون من الشهداء وغيرهم وإما جنس الشاكرين وهم داخلون فيه دخولا أوليا والجملة اعتراض مقرر لمضمون ما قبله ووعد بالمزيد عليه وفى تصديرها بالسين وإبهام الجزاء من التأكيد والدلالة على فخامة شأن الجزاء وكونه بحيث يقصر عنه البيان ما لا يخفى وقرىء الأفعال الثلاثة بالياء (وَكَأَيِّنْ) كلام مبتدأ ناع عليهم تقصيرهم وسوء صنيعهم فى صدودهم عن سنن الربانيين المجاهدين فى سبيل الله مع الرسل الخالية عليهمالسلام وكأين لفظة مركبة من كاف التشبيه وأى حدث فيها بعد التركيب معنى التكثير كما حدث فى كذا وكذا والنون تنوين أثبتت فى الخط على غير قياس وفيها خمس لغات هى إحداهن والثانية كائن مثل كاعن والثالثة كأين مثل كعين والرابعة كيئن بياء ساكنة بعدها همزة مكسورة وهى قلب ما قبلها والخامسة كأن مثل كعن وقد قرىء بكل منها ومحلها الرفع بالابتداء وقوله تعالى (مِنْ نَبِيٍّ) تمييز لها لأنها مثل كم الخبرية وقد جاء تمييزها منصوبا كما فى قوله[أطرد اليأس بالرجا فكأين أملا حم يسره بعد عسر] وقوله تعالى (قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) خبر لها على أن الفعل مسند إلى الظاهر والرابط هو الضمير المجرور فى معه وقرىء قتل وقتل على صيغة المبنى للمفعول مخففة ومشددة والربى منسوب إلى الرب كالربانى وكسر الراء من تغييرات النسب وقرىء بضمها وبفتحها أيضا على الأصل وقيل هو منسوب إلى الربة وهى الجماعة أى كثير من الأنبياء قاتل معه لإعلاء كلمة الله وإعزاز دينه علماء أتقياء أو عابدون أو جماعات كثيرة فالظرف متعلق بقاتل أو بمحذوف وقع حالا من فاعله كما فى القراءتين الأخيرتين إذ لا احتمال فيهما لتعلقه بالفعل أى قتلوا أو قتلوا كائنين معه فى القتال لا فى القتل قال سعيد بن جبير ما سمعنا بنبى قتل فى القتال وقال الحسن البصرى وجماعة من العظماء لم يقتل نبى فى حرب قط وقيل الفعل مسند إلى ضمير النبى والظرف متعلق بمحذوف وقع حالا منه والرابط هو الضمير المجرور الراجع إليه وهذا واضح على القراءة المشهورة بلا خلاف أى كم من نبى قاتل كائنا معه فى القتال ربيون كثير وأما على القراءتين الأخيرتين فغير ظاهر لا سيما على قراءة التشديد وقد جوزه بعضهم وأيده بأن مدار التوبيخ اتخذا لهم للإرجاف بقتله عليهالسلام أى كم من نبى قتل كائنا معه فى القتل أو فى القتال ربيون الخ وقوله تعالى (فَما وَهَنُوا) عطف على قاتل على أن المراد به عدم الوهن المتوقع من القتال كما فى قولك وعظته فلم يتعظ وصحت به فلم ينزجر فإن الإتيان بالشىء بعد ورود ما يوجب الإقلاع عنه وإن كان استمرارا عليه بحسب الظاهر لكنه بحسب الحقيقة صنع جديد مصحح لدخول الفاء المرتبة له على ما قبله أى فما فتروا وما انكسرت همتهم (لِما أَصابَهُمْ) فى أثناء القتال وهو علة للمنفى دون النفى نعم يشعر بعلته قوله تعالى (فِي سَبِيلِ اللهِ) فإن كون ذلك فى سبيله عزوجل مما يقوى قلوبهم ويزيل وهنهم وما موصولة أو موصوفة فإن جعل الضميران لجميع الربيين فهى عبارة عما عدا القتل من الجراح وسائر المكاره المعترية