(وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) (١٤٧)
____________________________________
للكل وإن جعلا للبعض الباقين بعد ما قتل الآخرون كما هو الأنسب بمقام توبيخ المنخذلين بعد ما استشهد الشهداء فهى عبارة عما ذكر مع ما اعتراهم من قتل إخوانهم من الخوف والحزن وغير ذلك هذا على القراءة المشهورة وأما على القراءتين الأخيرتين فإن أسند الفعل إلى الربيين فالضميران للباقين منهم حتما وإن أسند إلى ضمير النبى كما هو الأنسب بالتوبيخ على الانخذال بسبب الإرجاف بقتله عليه الصلاة والسلام فهما للباقين أيضا إن اعتبر كون الربيين مع النبى فى القتل وللجميع إن اعتبر كونهم معه فى القتال (وَما ضَعُفُوا) عن العدو وقيل عن الجهاد وقيل فى الدين (وَمَا اسْتَكانُوا) أى وما خضعوا للعدو وأصله استكن من السكون لأن الخاضع يسكن لصاحبه ليفعل به ما يريده والألف من إشباع الفتحة أو استكون من الكون لأنه يطلب أن يكون لمن يخضع له وهذا تعريض بما أصابهم من الوهن والانكسار عند استيلاء الكفرة عليهم والارجاف بقتل النبى صلىاللهعليهوسلم وبضعفهم عند ذلك عن مجاهدة المشركين واستكانتهم لهم حين أرادوا أن يعتضدوا بابن أبى المنافق فى طلب الأمان من أبى سفيان (وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) أى على مقاساة الشدائد ومعاناة المكاره فى سبيل الله فينصرهم ويعظم قدرهم والمراد بالصابرين إما المعهودون والإظهار فى موضع الإضمار للثناء عليهم بحسن الصبر والإشعار بعلة الحكم وإما الجنس وهم داخلون فيه دخولا أوليا والجملة تذييل لما قبلها (وَما كانَ قَوْلَهُمْ) كلام مبين لمحاسنهم القولية معطوف على ما قبله من الجمل المبينة لمحاسنهم الفعلية وقولهم بالنصب خبر لكان واسمها أن وما بعدها فى قوله تعالى (إِلَّا أَنْ قالُوا) والاستثناء مفرغ من أعم الأشياء ما كان قولا لهم عند أى لقاء للعدو واقتحام مضايق الحرب وإصابة ما أصابهم من فنون الشدائد والأهوال شىء من الأشياء إلا أن قالوا (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا) أى صغائرنا (وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا) أى تجاوزنا الحد فى ركوب الكبائر أضافوا الذنوب والإسراف إلى أنفسهم مع كونهم ربانيين برءاء من التفريط فى جنب الله تعالى هضما لها واستقصارا لهممهم وإسنادا لما أصابهم إلى أعمالهم وقدموا الدعاء بمغفرتها على ما هو الأهم بحسب الحال من الدعاء بقولهم (وَثَبِّتْ أَقْدامَنا) أى فى مواطن الحرب بالتقوية والتأييد من عندك أو ثبتنا على دينك الحق (وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) تقريبا له إلى حيز القبول فإن الدعاء المقرون بالخضوع الصادر عن زكاء وطهارة أقرب إلى الاستجابة والمعنى لم يزالوا مواظبين على هذا الدعاء من غير أن يصدر عنهم قول يوهم شائبة الجزع والخور والتزلزل فى مواقف الحرب ومراصد الدين وفيه من التعريض بالمهزمين ما لا يخفى وقرأ ابن كثير وعاصم فى رواية عنهما برفع قولهم على أنه الاسم والخبر أن وما فى حيزها أى ما كان قولهم حينئذ شيئا من الأشياء إلا هذا القول المنبئ عن أحاسن المحاسن وهذا كما ترى أقعد بحسب المعنى وأوفق بمقتضى المقام لما أن الإخبار بكون قولهم المطلق خصوصية قولهم المحكى عنهم مفصلا كما تفيده قراءتهما أكثر إفادة للسامع