(فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٤٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) (١٤٩)
____________________________________
من الأخبار بكون خصوصية قولهم المذكور قولهم لما أن مصب الفائدة وموقع البيان فى الجمل الخبرية هو الخبر فالأحق بالخبرية ما هو أكثر إفادة وأظهر دلالة على الحدث وأوفر اشتمالا على نسب خاصة بعيدة من الوقوع فى الخارج وفى ذهن السامع ولا يخفى أن ذلك ههنا فى أن مع ما فى حيزها أتم وأكمل وأما ما تفيده الاضافة من النسبة المطلقة الإجمالية فحيث كانت سهلة الحصول خارجا وذهنا كان حقها أن تلاحظ ملاحظة جمالية وتجعل عنوانا للموضوع لا مقصودا بالذات فى باب البيان وإنما اختار الجمهور ما اختاره لقاعدة صناعية هى أنه إذا اجتمع معرفتان فالأعرف منهما أحق بالاسمية ولا ريب فى أعرفية أن قالوا لدلالته على جهة النسبة وزمان الحدث ولأنه يشبه المضمر من حيث أنه لا يوصف ولا يوصف به وقولهم مضاف إلى مضمر فهو بمنزلة العلم فتأمل (فَآتاهُمُ اللهُ) بسبب دعائهم ذلك (ثَوابَ الدُّنْيا) أى النصر والغنيمة والعز والذكر الجميل (وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ) أى وثواب الآخرة الحسن وهو الجنة والنعيم المخلد وتخصيص وصف الحسن به للإيذان بفضله ومزيته وأنه المعتد به عنده تعالى (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) تذييل مقرر لمضمون ما قبله فإن محبة الله تعالى للعبد عبارة عن رضاه عنه وإرادة الخير به فهى مبدأ لكل سعادة واللام إما للعهد وإنما وضع المظهر موضع ضمير المعهودين للإشعار بأن ما حكى عنهم من الأفعال والأقوال من باب الإحسان وإما للجنس وهم داخلون فيه دخولا أوليا وهذا أنسب بمقام ترغيب المؤمنين فى تحصيل ما حكى عنهم من المناقب الجليلة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) شروع فى زجرهم عن متابعة الكفار ببيان استتباعها لخسران الدنيا والآخرة إثر ترغيبهم فى الاقتداء بأنصار الأنبياء عليهمالسلام ببيان إفضائه إلى فوزهم بسعادة الدارين وتصدير الخطاب بالنداء والتنبيه لإظهار الاعتناء بما فى حيزه ووصفهم بالإيمان لتذكير حالهم وتثبيتهم عليها بإظهار مباينتها لحال أعدائهم كما أن وصف المنافقين بالكفر فى قوله تعالى (إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا) لذلك قصدا إلى مزيد التنفير عنهم والتحذير عن طاعتهم قال على رضى الله عنه نزلت فى قول المنافقين للمؤمنين عند الهزيمة ارجعوا إلى إخوانكم وادخلوا فى دينهم فوقوع قوله تعالى (يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) جوابا للشرط مع كونه فى قوة أن يقال إن تطيعوهم فى قولهم ارجعوا إلى إخوانكم وادخلوا فى دينهم يدخلوكم فى دينهم باعتبار كونه تمهيدا لقوله تعالى (فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) أى الدنيا والآخرة غير فائزين بشىء منهما واقعين فى العذاب الخالد على أن الارتداد على العقب علم فى انتكاس الأمر ومثل فى الحور بعد الكور وقيل المراد بهم اليهود والنصارى حيث كانوا يستغوونهم ويوقعون لهم الشبه فى الدين ويقولون لو كان نبيا حقا لما غلب ولما أصابه وأصحابه ما أصابهم وإنما هو رجل حاله كحال غيره من الناس يوما عليه ويوما له وقيل أبو سفيان وأصحابه والمراد بطاعتهم استئمانهم والاستكانة لهم وقيل الموصول على عمومه والمعنى نهى المؤمنين عن طاعتهم فى أمر من الأمور حتى لا يستجروهم إلى الارتداد عن الدين