للإنسان ، لأنه يمثل الخير الباقي عند الله ، لأن ما عندنا ينفد ، وما عند الله باق ..
وإذا كانت حرمات الله تتحرك في كثير من الموارد والمواقع والأفعال ، فإنها تشمل ما يأكله الإنسان من الحيوان ، فقد حرّم الله أكل بعض الحيوانات ، وأحلّ أكل بعضها الآخر ، تبعا لما يصلح أمر الإنسان أو يفسده ، لأن أحكام الله لجهة تحليل الأشياء وتحريمها ، تابعة للمصالح والمفاسد الكامنة في داخلها ، أو في أجوائها ، ولهذا أحل الله الأنعام للإنسان ، ليأخذ منها غذاءه ، رحمة به ، ورفقا بضعفه ..
* * *
أحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم
(وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) ممّا حرّمه في سورة المائدة في قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ ، وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) [المائدة : ٣]. هذا إذا فهمنا المعنى الاستقبالي من الفعل المضارع في كلمة «يتلى» ، لأن المائدة هي آخر ما نزل من القرآن ، والمعنى : أن الله قد أحلّ لكم الأنعام إلا ما استثناه في كتابه ، فحافظوا على حدوده فيها ، فلا تحرّموا حلالها ، ولا تحلّوا حرامها ، ففي ذلك تعظيم عملي لحرمات الله في خط الالتزام.
وقد رأى بعض المفسرين أن استخدام صفة الحاضر في عبارة : (ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) كان قد نزل في سورة الأنعام ، إشارة إلى استمرار التلاوة ، باعتبار «أن محرمات الأكل نزلت في سورة الأنعام وهي مكية ، وفي سورة النحل وهي